وقدّامه غير خلفه ، وكلّ ما يتميز أحد جانبيه عن الآخر فهو منقسم ، وإلّا لكان اليمين بعينه ليس بيمين بل بيسار (١) وبالعكس ، وكلّ منقسم فليس بأحد.
وأمّا على رأي من يثبته فيدلّ من وجه آخر ، وهو أنّ الأحد كما يراد به نفي التركيب والتأليف فقد يراد به نفي الضدّ والندّ ، ولو كان جوهرا فردا لكان كل جوهر فرد (٢) مثلا له ، ولهذا أكّد هذا الوجه بقوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).
وإذا دلّ ذلك على نفي الجسمية والجوهرية دلّ على نفي الحيّز والجهة ، لأنّ كلّ ما كان مختصّا بحيّز وجهة ، فإن كان منقسما كان جسما وإن لم يكن منقسما كان جوهرا فردا ، وقد مضى (٣) بطلانهما.
وكقوله : (اللهُ الصَّمَدُ) فإنّ الصمد (٤) هو السيد المصمود إليه في الحوائج ، فلو كان
__________________
(١) يسار ـ خ : (آ).
(٢) فرد ـ خ : (آ).
(٣) ثبت ـ خ : (آ).
(٤) روى الشيخ الصدوق (ره) في كتاب التوحيد مسندا إلى أبي البختري وهب بن وهب القرشي : أنّ الصادق جعفر بن محمد حدّثه عن أبيه الباقر عن أبيه عليهماالسلام : أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهماالسلام يسألونه عن الصمد فكتب إليهم :
بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعد : فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادلوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار ، وإنّ الله سبحانه قد فسّر الصمد فقال : (اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) ثمّ فسّره فقال : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ لَمْ يَلِدْ) : لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ، ولا شيء لطيف كالنفس ، ولا يتشعّب منه البدوات كالسنة والنوم والخطرة والهمّ والحزن والبهجة ، والضحك والبكاء ، والخوف والرجاء ، والرغبة ، والجوع والشبع ، تعالى عن أن يخرج منه شيء ، وأن يتولّد منه شيء كثيف أو لطيف و (لَمْ يُولَدْ) لم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الأشجار ، ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين ، والسمع من الأذن ، والشمّ من الأنف ، والذوق من الفم ، والكلام من اللسان ، والمعرفة والتمييز من القلب ، وكالنار من الحجر ، لا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته ، يتلاشى ما خلق للفناء بمشيته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه ، فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ـ