الأدلّة توجب الطمأنينة وزوال الشكّ ، ولذلك كان تكرير دلائل (١) التوحيد في القرآن ، وهو جواب أبي الهذيل.
الثاني : قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢) والنظر المقرون بحرف «إلى» يفيد الرؤية ، لاستعمال ذلك استعمالا شائعا في الكتاب واللغة والعرف ، وبسطه في المطوّلات.
ولأنّ المراد به إمّا معناه الحقيقي ، وهو تقليب الحدقة نحو المرئي طلبا لرؤيته ، وهو عليه تعالى محال ، لاستدعائه الجهة ، أو الانتظار ، وهو باطل ، لأنّه تعدّى (٣) ب «إلى» والانتظار لا يتعدّى بها كقوله : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٤)
ولأنّ الآية في (٥) سياق حال النعم ، فتكون حاصلة لا منتظرة ، مع أنّ الانتظار يوجب ألما فيكون نقمة لا نعمة ، ولذلك قيل : إنّه موت أحمر ، فلم يبق إلّا الرؤية مجازا ، إطلاقا لاسم السبب على المسبّب.
وأجيب بوجوه :
الأوّل : بالمنع من كون المقرون ب «الى» يفيد الرؤية في سائر استعمالاته ، بل قد استعمل لا لذلك ولهذا يقال : نظرت إلى الهلال فلم أره.
الثاني : أنّ هنا حذفا لمضاف تقديره : ثواب ربّها ، والإضمار وإن كان خلاف الأصل فكذا المجاز.
الثالث : نختار أنّها بمعنى الانتظار ، ولا يكون «إلى» حرف جرّ ، بل اسما هو واحد إلّا لا كما نقله الأزهري وابن دريد قال الشاعر :
أبيض لا يرهب النهر إلّا |
|
ولا يقطع رحما ولا يخون إليّ. |
__________________
(١) دلائل ـ خ : (د).
(٢) القيامة ٧٥ : ٢٢ ، ٢٣.
(٣) معدّى ـ خ : (آ).
(٤) النمل ٢٧ : ٣٥.
(٥) مع ـ خ : ـ (د).