__________________
ـ الثاني عشر في الحشر والجزاء من المباحث الآتية ، حيث يبحث عن حقيقة الإنسان ، ولكن تكميلا للفائدة وتبعا لبعض المتكلّمين نتعرّض له هنا إجمالا ونقول :
ومن مباحث التكليف هو المكلّف من هو؟ فقيل ـ كما قال به الشيخ الأقدم الشيخ أبو اسحاق النوبختي (ره) في الياقوت ـ : إنّ ماهية الانسان وحقيقته هو ما يشير إليه الإنسان بقوله : أنا هذه البنية والجملة ، وقال العلّامة قدّس الله روحه في شرحه : لما ذكر الشيخ ـ يعني النوبختي (ره) ـ التكليف أشار إلى بيان ماهية المكلّف ما هي؟ وقد اختلف الناس في ذلك ، فالذي اختاره المصنف (ره) ـ يعني النوبختي (ره) ـ أنّه هذه البنية المخصوصة والجملة المشار إليها ، وهو الذي يعبر عنه بقوله : أنا فعلت وأنت فعلت ، وهو اختيار السيّد المرتضى رحمهالله وأكثر المعتزلة ، وذهب الشيخ أبو سهل بن نوبخت من أصحابنا والشيخ المفيد محمد بن النعمان رحمهماالله إلى أنّه ـ أي المكلّف ـ شيء مجرّد ـ أي غير جسم ولا جسماني ـ غير مشار إليه بالحسّ يتعلّق بهذا البنية تعلّق العاشق بمعشوقه لا تعلّق الحال بالمحلّ ، وهو مذهب الأوائل ـ يعني الحكماء ـ واختيار معمّر بن غياث السلمي من المعتزلة ، وذهب ابن الراوندي إلى أنّه ـ أي الإنسان ـ جزء لا يتجزّأ في القلب ، وقال جماعة من المتكلّمين : إنّ المكلّف هو الأجزاء الأصلية في هذا البدن لا تتطرّق إليها الزيادة والنقصان ، بل هي باقية من أوّل العمر إلى آخره.
قلت : وإلى هذا القول يميل المصنّف (ره) في هذا الكتاب عند البحث عن حقيقة الإنسان بقوله : وهو الأقرب. كما يأتي هناك إن شاء الله تعالى.
والمعتمد من رأي المتكلّمين أنّ النفس الإنسانية إمّا جسم لطيف مخالف للجسم الذي يتولّد من الأعضاء ، نوراني علوي خفيف سار في الأعضاء كلّها ، نافذ فيها نفوذ ماء الورد فيه ونفوذ النار في اللحم ، لا تتبدّل ذاته ولا تتحلّل أجزاؤه ، بقاؤه في الأعضاء حياة له وانتقاله عنها إلى عالم الارواح موت له ، أو هي الأجزاء الأصلية الباقية من أول العمر إلى آخره التي لا تقوم الحياة إلّا بها كما عرفت.
وغير خفي على الباحث الخبير أنّ هذه الأوصاف التي ذكروها أوصاف شبيهة بصفات البدن المثالي البرزخي لا النفس المجرّد ، كما ذكر بعض المتكلّمين في وصف الروح : أنّه جسم لطيف اشتبك بالأجسام الكثيفة اشتباك الماء بالعود الأخضر ، قال صدر المتألهين قدسسره : وذلك لأنّ ذلك الجسم البرزخي أيضا من مظاهر الروح وكينونته في هذا البدن ليس بتداخل واشتباك لكن يشبههما ، انتهى.
قال أمير المؤمنين سلام الله عليه كما نقله الصفدي في شرح لامية العجم : «الروح في الجسد كالمعنى في اللفظ».
والمعتمد من رأي المحقّقين من الحكماء الإلهيين وجمع من محقّقي المتكلّمين : أنّ النفس الانسانية جوهر مجرّد في ذاته دون فعله ، متصرّف في البدن ، متعلّق به تعلّق التدبير والتصرّف ، وهي تتعلّق أولا وبالذات بالروح الحيواني المتكوّن في الجوف الأيسر من القلب من بخار الغذاء ولطيفه ، ويفيد قوة بها يسري في جميع البدن.