قصر المكلّف فقد أتى من قبل نفسه ، كمتابعة الرسل.
الثالث : من فعل غيرهما ، ويجب في الحكمة إيجابه على الغير كتبليغ الرسالة ، وأن يكون له في مقابلته نفع يعود إليه ؛ لأنّ إيجابه عليه لمصلحة غيره مع عدم نفع يصل إليه ظلم ، تعالى الله عنه.
ثمّ إنّه لا يحسن تكليف من له اللطف إلّا بعد العلم بأنّه يقع ؛ إذ لولاه يلزم مناقضة الغرض.
الثالثة : في أحكامه :
الأوّل : أنّه عام للمؤمن والكافر ، ولا يلزم من حصوله للكافر عدم كفره ؛ لأنّ اللطف لطف في نفسه سواء حصل الملطوف فيه أو لا ، بل كونه لطفا من حيث إنّه مقرّب إلى الطاعة ومرجّح لوجودها ، وعدم الترجيح هنا لعارض أقوى وهو سوء اختيار العاصي.
الثاني : أنّه إذا لم يفعل الله اللطف لم يحسن عقابه للمكلّف على ترك الملطوف فيه ؛ لأنّه بذلك كالأمر بالمعصية كما قال الله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) (١) قرر أنّه (٢) لو منعهم الإرسال لكان لهم هذا السؤال ، ولا يكون لهم ذلك إلّا مع قبح الإهلاك.
نعم لا يقبح الذمّ (٣) ؛ لأنّه مستحقّ على القبيح غير مختصّ (٤) به تعالى بخلاف العقاب المختصّ ؛ ولهذا لو بعث الإنسان غيره على فعل القبيح ففعل لكان له ذمّه كما يذمّ إبليس أهل النار وإن كان هو المسئول.
الثالث : لا بدّ من مناسبة بين اللطف والملطوف فيه ، أي يكون حصوله داعيا إلى حصول الملطوف فيه ، وإلّا (٥) لم يكن كونه لطفا فيه أولى من كونه لطفا لغيره من
__________________
(١) طه ٢٠ : ١٣٤.
(٢) قدّر ـ خ : (د).
(٣) أي من الله تعالى على ترك الإيمان مع عدم اللطف.
(٤) أي الذمّ ، بل العقلاء مشاركين في الذمّ على القبيح.
(٥) أي إذا لم يكن داعيا إلى حصوله.