معاشرة لافتقاره في معاشه إلى المأكل والملبس والمسكن ، ويتعذّر عليه تحصيلها بنفسه وإلّا لازدحم على الواحد كثير ، وهو باطل ؛ لأنّها أمور تفتقر إلى معالجات تقع في أزمنة متعدّدة ، ولو أمكن ذلك لكان عسرا ، فلا بدّ حينئذ من جماعة يفرغ كل واحد منهم لصاحبه عن مهمّه مستعصا (١) منه مثله.
الثانية : أنّ ذلك الاجتماع مظنّة النزاع ؛ لأنّ التغلّب (٢) موجود في الطباع ، إذ القوى الإنسانية ليست فاضلة في الغاية خصوصا العامّة ، فكلّ يرى العمل بشهوته دون الآخر ، ويرى حفظ ماله وبطلان حقّ غيره ، ويغضب على الغير في مزاحمته فتدعوه شهوته وغضبه إلى المنازعة ، فيقع الهرج والمرج المؤدّيان إلى هلاك النوع وفساده ، فلا بدّ من معاملة وعدل تجمعها قوانين كلّية متّفق عليها بينهم بحيث يرجعون إليها عند النزاع ، وتلك هي الشريعة ، فوجب في العناية الإلهية وجودها.
الثالثة : أنّ تلك الشريعة لا يجوز تفويضها إلى أشخاص النوع وإلّا لوقع النزاع في كيفية وضعها فلا يحصل المطلوب ، فوجب أن تكون مفوّضة إلى القدير الخبير ، ولما كان ممّا يتعذر مشافهته وجب وجود واسطة بينه وبينهم في تبليغها ، وذلك هو النبي.
ثمّ إنّ لكلّ من النبي والشريعة شرطا. أمّا النبي فيجب اختصاصه بآيات ودلالات يمتاز بها عن بني نوعه تدلّ على أنّه مبعوث من عند ربّهم (٣) ليكون لهم طريق إلى تصديقه ، وهي إمّا قولية هي بالخواصّ أنسب أو فعلية هي بالعوامّ أشبه وهي لهم أنفع.
وأمّا الشريعة فيجب أن تشتمل على نوعين :
الأوّل : أن يكون فيها وعد ووعيد أخرويّان ؛ لأنّ كل شخص عند استعلاء (٤) قوّته الشهوية عليه غلب لما يحتاج إليه بحسب ما يخصّه ، تستحقر اختلال العدل النافع في أمور معاشه بحسب نوعه ، فيبعثه ذلك على الإقدام على مخالفة تلك القوانين ، أمّا إذا
__________________
(١) من لفظ : حينئذ ـ إلى ـ مستعصا ـ ساقط من ـ خ : (آ).
(٢) التغليب ـ خ : (آ).
(٣) ربّه ـ خ : (آ).
(٤) استبداء ـ خ : (د).