وخالف البراهمة في ذلك وقالوا بعدم حسنها ؛ لأنّ النبي إن أتى بموافق (١) العقل ففي العقل غنية عنه (٢) وإن أتى بمخالفه فباطل لقبح اتّباعه حينئذ.
والجواب بالمنع عن (٣) الاستغناء على تقدير الموافقة ؛ إذ ليس كلّ ما يوافقه العقل يستقلّ بدركه ، لجواز أن يكون عالما به إجمالا ولا يعلمه تفصيلا والشرع يفصّله ، فلا يحصل الاستغناء كالمريض العالم إجمالا أنّ كلّ نافع له يجب تناوله وكلّ ضارّ له يجب تركه والطبيب يفصّله له ، فلا يكون مستغنيا عنه ، وفيما ذكرنا من الفوائد كفاية.
الثالث : في وجوب بعثته ، ويدخل فيه بيان غايتها ، ولنا فيه طريقان.
الأوّل : طريقة المتكلّمين ، وهو أنّها مشتملة على اللطف في التكليف العقلي وشرط في التكليف السمعي ، وكلّ ما كان كذلك فهو واجب.
أمّا بيان أولى الصغرى فلأنّ العبادات متلقّاة من النبي ، ولا شكّ أنّ المواظبة عليها باعثة على معرفة المعبود الواجبة عقلا فيكون لطفا فيها ، ولأنّ الثواب والعقاب لطفان كما يجيء ولا يعلم تفاصيلهما إلّا من جهته أيضا. وأمّا بيان ثانيهما فظاهر.
وأمّا الكبرى فلما تقدّم من وجوب اللطف وكذا التكليف ، فشرطه لو لم يكن واجبا لجاز الإخلال به فيجوز الإخلال بالمشروط الواجب ، وهو على الحكيم محال.
الثاني : طريقة الحكماء وتقريرها : إن كان إصلاح (٤) النوع الثاني مطلوبا له تعالى فالبعثة واجبة ، لكن المقدّم حقّ فكذا التالي. أمّا حقّية المقدّم فظاهرة من الحكمة الإلهية كما تقدّم. وأمّا الشرطية فتتبيّن بمقدّمات :
الأولى : أنّ الإنسان مدني بالطبع ، أي (٥) لا يمكن أن يعيش وحده ، بل لا بدّ له من
__________________
(١) بما يوافق ـ خ ل ـ خ : (د).
(٢) إن أتى بموافق العقل فغنى عنه ـ خ : (آ).
(٣) من ـ خ : (آ).
(٤) صلاح ـ خ : (د).
(٥) أي ـ خ : (د).