وأمّا فزعه فلدخولهما عليه في غير وقت الحكومة ، وخاف أن يكونا مغتالين له ليقتلاه ، وبه فسّر بعضهم الآية ، وهو أنّهم تسوّروا قاصدين قتله ظنا منهم أنّه غافل ، فلما رآهم فزع ؛ لما تقرّر (١) في العرف أنّ أحدا لا يتسوّر دار غيره إلّا لقصد الإساءة به خصوصا إذا كان صاحب المنزل معظّما فلما رأوه مستيقظا اخترعوا (٢) حكومة ، وأنّهم قصدوه لأجلها ، والفرض عدمها.
وأمّا استغفاره فجاز أن يكون لغيره ؛ إذ ليس فيه إشعار بكونه لنفسه وذلك كاستغفار الأنبياء لأممهم والملائكة للمؤمنين.
سلمنا ، لكن جاز أن يكون على وجه الانقطاع إلى الله تعالى والتذلّل.
(وَخَرَّ راكِعاً) أي ساجدا فعلى وجه الشكر ، وإنابته هي رجوعه إلى عبادة ربّهم ؛ لأنّهم دخلوا عليه في وقت العبادة فشغلوه عنها ، وقوله : (فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ) أي لأجله على الوجه الأول ، وعلى الثاني أي قبلنا استغفاره ، وسمّى القبول غفرانا تسمية للشيء بمقابله كقوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) (٣) وقول الشاعر :
ألا لا يجهلن أحد علينا |
|
فيجهل فوق جهل الجاهلينا |
العاشرة : قصة سليمان عليهالسلام ، وهي وجوه :
الأوّل : أنّه ترك الصلاة حتّى توارت الشمس أي غابت ؛ بسبب اشتغاله بحبّ الخيل(٤) ، وهي من أمور الدنيا ، حتّى قال بعض الحشوية : إنّه أمر بردّها وتقطيع سوقها وأعناقها والصدقة بها ؛ كفّارة لخطيئته.
والجواب : أنّا نفسّر الآية ونبيّن عود الضمير فيها على الوجه المطابق ثمّ نبيّن خطأ القائل.
__________________
(١) تقدر ـ خ : (آ).
(٢) الاختراع : الإيجاد مع سبق مدّة لا مادة ، وحمل الآية على اللصوص أولى من حملها على الملائكة ؛ لقوله تعالى : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) والكذب من الظلم والمعاصي ـ هامش ـ خ : (آ).
(٣) النساء ٤ : ١٤٢.
(٤) الخير ـ خ : (آ).