أو أنّ القائل هو الشيطان. سلّمنا أنّه هو القائل لكن الغرانيق هي الملائكة ، ولذلك قيل : إنّه كان قرآنا ، فلمّا توهّم المشركون قصد آلهتهم به نسخ تلاوته ، والغرانيق جمع غرنوق وهو الحسن الجميل.
الثاني : أنّ (١) آية الحجّ ليس فيها دلالة على التسلية ؛ لأنّ التمنّي يحتمل وجهين.
الأوّل : التلاوة ، قال حسان :
تمنّى كتاب الله أوّل ليله |
|
وآخره لاقى حمام المقادر (٢) |
فعلى هذا يكون المراد (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى) أي تلا ما يؤدّيه إلى قومه حرّفوه وبدّلوه وزادوا ونقصوا ، كما فعلت اليهود بالتوراة ونسبته إلى الشيطان ؛ لأنّه وقع لوسوسته فينسخ الله ما يلقي الشيطان بإظهار حجّته وبيّناته على ألسنة رسله ، وليس ذلك صريحا في التسلية.
الثاني : تمنّي النفس ، وحينئذ يكون المراد أنّ فطرة الأنبياء والرسل ليست خارجة عن فطرة الإنسان ، الذي له قوى كثيرة منها المتخيّلة التي من شأنها التركيب للصور والمعاني ، فتحملها (٣) تارة كلّية وتارة في المواد الجزئية ثمّ تنتقل إلى الحس المشترك ومنه إلى الحواس الظاهرة ، ثمّ إنّ تلك الصور قد تحصل من جوهر شريف كجبرائيل فإن كان في المنام فرؤيا صادقة وفي اليقظة وحي ، وقد يحصل من الطبيعة بسبب الإدراكات الحسية المعبّر عنها بالشيطان ، أو يحصل من الشيطان نفسه في حقّ الأنبياء من غير إذعان منهم لذلك ولا جزم به فينسخ ذلك بالوحي والإرشاد إلى مخالفته ، وليس فيه أيضا تصريح (٤) التسلية بل ولا نسبة له إلى نبينا عليهالسلام على الوجهين :
الثالث : قوله : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ
__________________
(١) ان ـ خ : (آ).
(٢) المعابر ـ خ : (آ). المفاوز ـ خ : (د) وما أثبتناه في المتن فهو من تنزيه الأنبياء للسّيد قدسسره.
(٣) فتحكيها ـ خ : (د).
(٤) صريح ـ خ : (آ).