اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (١) الآية. وجه الاعتراض : أنّهم قالوا : إنّه تعالى عاتبه على إضمار شيء كان ينبغي إظهاره ، وإنّه راقب من لا ينبغي مراقبته ، وذلك لا يكون إلّا عن ذنب.
وأيضا نقل عن بعضهم أنّه عليهالسلام نظر إلى زينب امرأة زيد فهواها وأخفى ذلك ، فمنهم من قال : إنّها حرمت بذلك على زيد. وقيل : بل وجب عليه تطليقها ابتلاء له.
والجواب عن الأوّل بالمنع من دلالة الآية على العتاب على ذنب ؛ لأنّ ما يوهم ذلك وهو قوله : (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) إخبار محض بأنّه عليهالسلام أخفى شيئا والله تعالى أبداه ، وذلك ليس صريحا ولا ظاهرا في الذنب ، وكذا قوله : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) إخبار أيضا بأنّه عليهالسلام يخشى الناس والله أحقّ بالخشية ، وفي قوله (أَحَقُ) دلالة على حقيقة خشية الناس وأنّها ليست أمرا باطلا ؛ لأنّ أفعل التفضيل يقتضي ذلك ، ولم يخبر أنّه لم يفعل ما هو الحقّ ، وأنّه عدل عنه إلى غيره حتّى يكون عتابا.
مع أنّه يحتمل أن يكون المراد ليس خشية التقوى ؛ لأنّه عليهالسلام كان يتّقي الله حقّ تقاته ، بل المراد خشية الحياء ؛ لأنّ الحياء كان غالبا عليه كما قال : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ). (٢)
وعن الثاني بالمنع من القصّة ؛ فإنّه أمر شنيع لا يقوله في حقّه صلىاللهعليهوآله إلّا أعداؤه الذين يريدون التنفير عن متابعته كاليهود ، مع أنّه عليهالسلام منزّه عن الصفات المنفّرة ـ كما يجيء ـ التي من جملتها هذه الحالة.
وقولهم بأنّها حرمت على زيد بمجرّد ذلك يلزم منه أن يكون أمره له بالإمساك أمرا بالزنا ، هذا مع أنّه قيل في الآية والقصة وجوه :
الأوّل : أنّه تعالى أراد نسخ تحريم أزواج الأدعياء كما هو عادة الجاهلية ، فأوحى إليه أنّ زيدا يطلّق زوجته فإذا طلّقها تزوّج أنت بها ، فلمّا حضر زيد ليطلّقها أشفق عليهالسلام
__________________
(١) الأحزاب ٣٣ : ٣٧.
(٢) الأحزاب ٣٣ : ٥٣.