من أنّه لو طلّقها لزمه نكاحها ، فيطغى المنافقون عليه فأمره بالإمساك ظاهرا وأخفى عزمه على نكاحها ، وهذا مطابق لقوله تعالى : (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ) (١).
الثاني : أنّ زيدا خاصم زوجته ، وهي بنت عمّة رسول الله صلىاللهعليهوآله وأشرف على تطليقها ، فهمّ عليهالسلام على التزويج بها إذا طلّقها ليضمّ قرابته (٢) إليه صلة لها ؛ فإنّها لمكان شرفها لحقها عار من أهل الدنيا بسبب زواجها بزيد ، وهو مولى فأراد رسول اللهصلىاللهعليهوآله جبرها بنكاحه لها وأخفى ذلك اتقاء من المنافقين فعاتبه على ذلك.
الثالث : أنّ زينب في أوّل أمرها رغبت في نكاح رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلمّا خطبها لزيد شقّ عليها وعلى أهلها ، فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) (٣) الآية فأجابوا على كراهة ، فلما دخل بها زيد نشزت عنه ، لاستحكام طمعها في الرسول عليهالسلام واستحقار زيد ، فشكاها إليه عليهالسلام ، فأمره عليهالسلام بإمساكها ، وأخفى استحكام طمعها فيه ؛ لأنّه لو أظهره له لتنغّصت عليه تلك النعمة.
الرابع : قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى) ـ إلى قوله ـ : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٤) قالوا : نزلت هذه عتابا له في أخذ الفداء في أسرى بدر وإنّه لم يثخن في الحرب ، ولو لا الذنب لما عوتب.
والجواب : أنّ العتاب على ترك الأفضل وهو الإثخان وترك أخذ الفداء ، ولو لا ذلك لما استشار أصحابه كما نقل ، وقوله : (لَوْ لا كِتابٌ) إلى آخره ، أي لو لا كتاب من الله سبق بتحليل الغنائم لمسّكم عذاب بأخذها ، والخطاب في ذلك وفي قوله : (تُرِيدُونَ) لأصحابه ؛ لوروده بلفظ الجمع لآله (٥).
__________________
(١) الأحزاب ٣٣ : ٣٧.
(٢) قرابتها ـ خ : (د).
(٣) الأحزاب ٣٣ : ٣٦.
(٤) الأنفال ٨ : ٦٨.
(٥) يقال : إنّ لهم أن يقولوا : جاء الواحد في الكتاب بلفظ الجمع نحو قوله تعالى : (أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله («إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ» «إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً») ونحو ذلك ـ كذا في هامش ـ خ : (آ).