الخامس : قوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) (١) والعفو لا يكون إلّا عن ذنب.
والجواب : أنّ ذلك تلطّف في الخطاب كما يقال : أرأيت رحمك الله؟ لو كان كذا لا يمكن إلّا ذلك ؛ لأنّه تعالى عفا ثمّ عاتب ، وذلك غير مستحسن بل غير جائز ، هذا مع أنّ ترك الإذن كان أفضل فهو عتاب على ترك الأفضل.
السادس : قوله : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) (٢) والوزر : الذنب.
والجواب : إن صحّ معناه الذنب فهو ترك الأفضل ، على أنّا نقول : الوزر هو الثقل كما قال سبحانه : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) (٣) فهو حقيقة فيه ، والذنب إنّما سمّي وزرا لثقله على فاعله ، وحينئذ يكون المراد ما كان فيه من الغمّ الشديد ، لإصرار قومه على الشرك ، لقوله تعالى : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (٤) أو لاستضعاف قومه لقلّتهم فلما أعلى الله كلمته زال ذلك بدليل قوله : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٥)
__________________
قلنا : ولنا أن نقول في جوابهم : إنّ الخطاب في (أَفِيضُوا) عام للمسلمين وغير مختصّ لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، أي أفيضوا من المزدلفة إلى منى أو الإفاضة من عرفات ، وعليه أكثر المفسّرين وهو الصحيح وعليه دلّت الأخبار ، والكلام معطوف على مقدّر أي أفيضوا من عرفات فإذا أفضتم منها الخ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) فتكون «ثمّ» على حقيقتها لما في التراخي الزماني بين الافاضتين ، ويكون فيها دلالة على وجوب الوقوف بالشعر ؛ لأنّ الإفاضة إنّما يكون بعد الوقوف فيه ووجوب نزول منى ، على ما هو مشروح في محلّه.
وأمّا الآية الثانية والثالثة فليس فيها شيء من ألفاظ الجمع ، بل فيهما صيغة المتكلّم مع الغير من باب التعظيم كما هو واضح ، نعم في بعض الموارد يراد من الجمع الواحد إذا كان له قرينة كما في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) المائدة : ٥٥ وكقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ) ـ إلى قوله ـ (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) المؤمنون : ٥١ ، ٥٤ بناء على ما قيل : إنّ الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآله وحده ؛ إذ لا نبي معه ولا بعده.
(١) التوبة ٩ : ٤٣.
(٢) الشرح ٩٤ : ٣ ، ٤.
(٣) محمد صلىاللهعليهوآله ٤٧ : ٤.
(٤) الشعراء ٢٦ : ٣.
(٥) الانشراح ٩٤ : ٤ ـ ٥.