السابع : قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (١).
والجواب : من وجوه : الأوّل : حمله على ترك الأفضل. الثاني : ذنب أمّتك. الثالث: أنّ الذنب مصدر يضاف تارة إلى الفاعل وأخرى إلى المفعول ، وهاهنا أضافه إلى المفعول أي ذنبهم في حقّك ، أي يغفر لأجلك وببركتك ذنبهم المقدّم والمتأخّر (٢) ويقرب منه : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) (٣).
__________________
(١) الفتح ٤٨ : ٢.
(٢) الأشبه بظاهر الكلام أن يكون المراد ما تقدّم من ذنبك ، أي الذنب إليك ؛ لأنّ الذنب مصدر ، والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل وإلى المفعول ، ألا ترى أنّهم يقولون : أعجبني ضرب زيد عمروا إذا أضافوه إلى الفاعل وأعجبني ضرب عمرو زيد ، إذا أضافوه إلى المفعول ، ومعنى المغفرة على هذا التأويل يكون ببركتك ولأجلك وذنبهم في حقّه منعهم إياه عن مكّة وصدّهم إياه عن المسجد الحرام ؛ لأنّ المغفرة سبب في الفتح ، ولو كان المراد ذنبه لم يكن في الكلام فائدة في قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) لأنّ المغفرة لذنوبه لا تعلّق لها بالفتح وليس تحرّضا فيه ، والمراد ما تقدّم ، أي ما تقدّم من زمانه من فعلهم القبيح وما تأخّر ، أي ما فعلوه في زمانه.
وفي سؤالات المأمون عن مولانا الإمام الرضا سلام الله عليه : فأخبرني عن قول الله عزوجل : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ). قال الرضا عليهالسلام : لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنبا من رسول الله صلىاللهعليهوآله لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستّين صنما فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) فلمّا فتح الله عزوجل على نبيّهصلىاللهعليهوآله مكّة قال له : يا محمّد صلىاللهعليهوآله (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) عند مشركي أهل مكّة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدّم وما تأخّر ؛ لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكّة ، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه ، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم.
فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن. فأخبرني عن قول الله عزوجل : (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ)؟ قال الرضا عليهالسلام : هذا ممّا نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جاره ، خاطب الله عزوجل ذلك نبيّه صلىاللهعليهوآله وأراد به أمّته. وكذلك قوله عزوجل : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) وقوله عزوجل : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً) قال المأمون : صدقت يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله. انظر عيون أخبار الرضاعليهالسلام للشيخ الصّدوق قدسسره.
(٣) الأنفال ٨ : ٣٣.