الثامن : قوله : (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) (١) والمراد هو عليهالسلام لقوله : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) (٢).
والجواب الحقّ : أنّ الضمير بغيره عليهالسلام في حقّ ابن أمّ مكتوم ؛ لاستحالة العبوس (٣)
__________________
(١) عبس ٨٠ : ١ ، ٢.
(٢) عبس ٨٠ : ٣.
(٣) فإنّ العبوس منه صلىاللهعليهوآله للفقراء قبيح لا يصدر عنه صلىاللهعليهوآله ، وليس الآيات الشريفة في سورة عبس ظاهرة الدلالة على أنّ المراد بها هو النبي صلىاللهعليهوآله ، فإنّها خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه ، بل فيها ما يدلّ على أنّ المعنى بها غيره ، لأنّ العبوس ليس من صفات النبي صلىاللهعليهوآله مع أعدائه وخصمائه فضلا مع المؤمنين من أحبائه ، وأضف إلى ذلك أنّ هذا الوصف لا يشبه أخلاقه الكريمة وقد عظم الله تعالى خلقه صلىاللهعليهوآله وقال : (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) والآية واقعة في سورة «ن» وهي قبل هذه السورة أعني «عبس» فكيف يعقل أن يعظم الله تعالى خلقه في أول بعثته ثمّ يعود فيعاتبه على بعض ما ظهر من أعماله الخلقية ويذمّه على عمله مع ابن أمّ مكتوم. وأضف أيضا كما أشرنا إليه : أنّ هذه الصفة قبيحة والنبيّ صلىاللهعليهوآله منزّه عنها ، فإن قبح ترجيح غنى الغني على كمال الفقير بالعبوس والإعراض عن الفقير والإقبال على الغني لغناه ، قبح عقلي مناف لكريم الخلق الإنساني لا يحتاج في لزوم التجنّب عنه إلى نهي لفظي ، فالعقل حاكم بقبحه ، ومعه ينافي صدوره من كريم الخلق ، وقد عظّم الله تعالى خلقه قبل ذلك إذ قال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وعن الصادق عليهالسلام على ما في المجمع : أنّها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي صلىاللهعليهوآله فجاء ابن أمّ مكتوم ، فلما رآه تقذّر منه وجمع نفسه وعبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره.
والعجب من بعض أبناء العصر تبعا لمن سبقه في الزمن الغابر حيث يصرّ أن يفسّر قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) .. على أنّ المراد هو النبي صلىاللهعليهوآله والعبوس صدر منه صلىاللهعليهوآله ، وهو يحاول اثبات هذا القبيح للنبيصلىاللهعليهوآله مع استحالة صدوره منه ، ويكتب ويسوّد في إثبات ذلك على زعمه أوراقا مبعثرة واستدلالات مزيفة مدّعيا أنّ الله تعالى عاتب النبي صلىاللهعليهوآله في موارد كثيرة من القرآن الكريم وكذا في هذه السورة «عبس» وهو يزعم أنّ بإثبات العتاب يثبت المدّعى مع أنّه وقع في حقّ النبي صلىاللهعليهوآله في القرآن مضافا على العتاب التهديد أيضا بنحو القضية الشرطية كما في قوله تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ ... ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ») ولكن لا يثبت بذلك إثبات صدور القبيح عن النبي صلىاللهعليهوآله ويحاول بعض أبناء العصر إثباته للنبي صلىاللهعليهوآله ويكتب ما لا طائل تحته كلّ هذا الصنيع منه ، دفعا لهذا القبيح عن رجل من بني أمية تلك الشجرة الملعونة ، وليس ذلك إلّا من خبث الطينة وسوء السريرة.
والعجب عن بعض أهل التفسير مع نقله عن سيّد الأمة علم الهدى قدسسره إنكاره صدور العبوس عن النبيصلىاللهعليهوآله ومع ذلك يفسر الآيات بكون النبي هو المعنيّ بها فنقول : إنّ هذا منه ذهول فإنّ من ذا الذي يقول ـ وهو من أصحاب العقول : إنّ هذه الصفة القبيحة صادرة عن الرسول صلىاللهعليهوآله عصمنا الله تعالى عن الخطإ ـ