والتصدّي للأغنياء والإعراض عن الفقراء والتلهّي عنهم منه صلىاللهعليهوآله ، مع وصفه ب (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وكيف يصحّ (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى) مع أنّه مبعوث للدعاء إلى الله.
التاسع : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ) الآية (١) والتوبة لا تكون إلّا عن ذنب ، وكذا قوله : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) (٢) والجواب : حمله على ترك الأفضل.
العاشر : قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٣).
__________________
ـ والزلل في القول والعمل ، والله العاصم.
وقال فخر الدّين الرازي في كتابه الأربعين ما هذا لفظه : إنّه أي النبي صلىاللهعليهوآله ما أقدم على فعل قبيح لا قبل النبوّة ولا بعدها ـ انظر إلى ص ٣٠٩ طبعة حيدرآباد.
وقال العلّامة المتكلّم الكبير ابن أبي جمهور الأحسائي (ره) في كتابه «معين المعين» ـ المخطوط ـ : والعتاب في عبس على ترك الأفضل ، والصحيح أنّه في غيره في حقّ ابن أمّ مكتوم ، لاستحالة العبوس والتصدّي للاغنياء والإعراض عن فقراء المؤمنين والتلهّي عنهم مع وصفه في الخلق العظيم ، وكيف يصحّ «وما عليك ألّا يزكّى» وهو مبعوث للدعاء؟ ثم قال في الشرح : بل الصحيح أنّ هذه السورة في رجل من أصحاب النبيصلىاللهعليهوآله في حقّ ابن أمّ مكتوم وقع منه هذا الفعل إليه وكان أعمى ، ونحن لمّا شككنا في عين من نزلت فيه هذه الآية فلا ينبغي لنا أن نشكّ في أنّها لم يعن بها النبي صلىاللهعليهوآله وأيّ تنفير أبلغ من العبوس في وجوه المؤمنين والتلهّي عنهم والإقبال مع الأغنياء الكافرين والتصدّي لهم ، وقد نزه الله نبيه صلىاللهعليهوآله عمّا هو دون هذا في التنفير فكيف هذا ، انتهى. والنسخة المخطوطة موجودة في مكتبتنا.
أقول : وما ورد في بعض الروايات من أنّ صدور هذا العمل عن رسول الله صلىاللهعليهوآله مع ابن أمّ مكتوم إنّما كان لتأليف قلوب عدّة من الكفار المشركين طمعا في إيمانهم ، كما في عدّة من الروايات المروية في الدر المنثور للسيوطي عن عائشة وأنس وابن عباس (ره).
وأورد الشيخ الطبرسي (ره) محصّل تلك الروايات في مجمع البيان ، فممّا لم تثبت عندنا صحّتها ، والقصة تنافي حكم العقل باستحالة صدور القبيح عن النبي صلىاللهعليهوآله ، فالتمسّك بقصة لم تثبت صحّتها لا تكون دليلا على المطلب مع مخالفتها بما يستفاد من سائر الآيات القرآنية كقوله تعالى : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) الحجر : ٨٨. وقوله تعالى : (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الحجر : ٩٤ النازلة في أول الدعوة النبوية فكيف يتصوّر منه صلىاللهعليهوآله العبوس والإعراض عن المؤمنين ومخالفة أوامر الله تعالى باحترام المؤمنين وخفض الجناح لهم والإعراض عن المشركين؟! فالقصّة المستفادة من بعض الروايات تخالف القرآن فهي بالإعراض عنها حقيق.
(١) التوبة ٩ : ١١٧.
(٢) يوسف ١٢ : ٢٩.
(٣) الزمر ٣٩ : ٦٥.