والثالث على أنّه لنبيّنا عليهالسلام (١) خلاف الظاهر.
__________________
(١) حمل قضية آصف في إتيانه عرش بلقيس قبل أن يرتدّ طرف سليمان عليهالسلام على الإرهاص لسليمانعليهالسلام باطل ؛ فإنّ الإرهاص كما عرفت هو تأسيس لقاعدة النبوة قبل بعثة النبي ، وأمّا في زمن وقوع تلك القصة كان سليمان عليهالسلام نبيا مبعوثا لأمته فكيف يستقيم القول بأنّها إرهاص؟
وأمّا الأئمة عليهمالسلام فأكثرهم كانوا بعد زمن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وصدور المعجز عنهم عليهمالسلام لا يكون إرهاصا لرسول الله صلىاللهعليهوآله بعد رحلته عن الدنيا ، بل العلة في صدور المعجز عنهم عليهمالسلام أنّ كلّ الكمالات النفسانية الموجودة في النبي صلىاللهعليهوآله لا بدّ أن تكون موجودة في الإمام القائم مقامه إلّا النبوّة ؛ فإنّ هذا المنصب العظيم غير موجود في الإمام ، فكما أنّ النبي صلىاللهعليهوآله هو صاحب المعجز فكذا الامام عليهالسلام وإلّا لا يكون إماما قائما مقامه ووصيا عن النبي صلىاللهعليهوآله فإنّ العقل يحكم أنه لا تناسب بين النبي صلىاللهعليهوآله وبين الجاهل الغبي أن يكون إماما للأمة ووصيا عن صاحب الرسالة.
نعم الفرق بين صدور المعجز عن النبي صلىاللهعليهوآله والإمام عليهالسلام هو أنه يجب على النبي صلىاللهعليهوآله أن يظهر إعجازه في مقام التحدي وإثبات النبوة ، وأمّا الإمام عليهالسلام بما أنّه منصوب من جانب الله تعالى بواسطة النبي وتنصيصه فلا يجب له إظهار المعجز في إثبات إمامته ، نعم لا بدّ له من إظهاره إذا سأله الناس إظهار المعجز في إثبات الإمامة أو رأى الإمام عليهالسلام المصلحة في الإظهار فأظهره ، وصدور المعجزات عن العترة الطاهرة سلام الله عليهم إذا رأوا المصلحة في ذلك نقلت متواترا معنى ، والتواتر مفيد للعلم الضروري وقد ألّف علماؤنا الإمامية (ض) في هذا الموضوع كتبا نفيسة موجودة منتشرة ، شكر الله تعالى مساعيهم الجميلة.
وممّا هو جدير بالذكر هنا هو أنّ سياق الآيات الشريفة في سورة النمل في قوله تعالى : (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) الخ وقوله تعالى : (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ) الخ وقوله تعالى : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ) الخ أنّ الخطاب في قول العفريت : (أَنَا آتِيكَ بِهِ) وكذا الخطاب في (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) لسليمان عليهالسلام فإنّه المنادي للملإ : (أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها) ، وفي جوابه يكون الخطاب من العفريت لسليمان عليهالسلام وكذا الخطابات في (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) لسليمان عليهالسلام أيضا ، فإنّه هو الذي يريد الإتيان بالعرش إليه ، وهو الذي يراد الإتيان به إليه لا العفريت ، حتّى تكون الخطابات إليه ، فإن كان المراد من (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ ...) هو سليمانعليهالسلام فلا بدّ حينئذ أن يكون عفريت هو الذي يريد الإتيان بالعرش إليه ، مع أنّه لم يكن يريد الإتيان به بل الذي يريد ذلك هو سليمان عليهالسلام.
وبالجملة القول بأنّ قائل : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ ...) هو سليمان عليهالسلام والخطابات في قوله : (أَنَا آتِيكَ بِهِ ...) هو للعفريت ، خلاف ظاهر سياق الآيات ، ولا نرفع اليد عن الظاهر بالوجوه الرديئة السخيفة التي ذكرها بعض المفسّرين ، عنادا لما ورد عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام أنّ المراد من (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) هو آصف بن برخيا وصيّ سليمان عليهالسلام ووزيره مع أنّهم أعرف بالقرآن وتفسيره من غيرهم ، فإنّهم أحد الثقلين وعندهم علم كلّ الكتاب.