الفصاحة والبلاغة ، ولهذا كانت العرب تستعظم فصاحته كقول الوليد بن المغيرة عنه : ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ وإنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة وإنّ أعلاه لمثمر وإنّ أسفله لمغدق (١) وإنّه يعلو ولا يعلى.
وقال النظّام والسيد (ره) بأنّه الصرفة ، بمعنى أنّ الله تعالى صرفهم عن معارضته إمّا بسلب القدرة أو الداعية أو العلم الذي يحصل به المكنة ؛ إذ لو كان لفصاحته (٢) لأتوا بمثله لقدرتهم على المفردات وعلى التركيب ، ومن قدر على كلّ واحد قدر
__________________
(١) لمغرق ـ خ : (د) لمعدن ـ خ ل ـ خ : (د) وقريب من هذا الكلام ما ذكره التفتازاني في شرح المقاصد وبعضه اقتباس منه بقوله : أشراف العرب ، مع كمال حذاقتهم في أسرار الكلام وفرط عداوتهم للإسلام ، لم يجدوا فيه للطعن مجالا ولم يوردوا في القدح مقالا ، ونسبوه إلى السحر على ما هو دأب المحجوج المبهوت تعجّبا من فصاحته وحسن نظمه وبلاغته ، واعترفوا بأنّه ليس من جنس خطب الخطباء أو شعر الشعراء وأنّ له حلاوة وعليه طلاوة ، وأنّ أسافله مغدقة وأعاليه مثمرة ، فآثروا المقارعة على المعارضة ، والمقاتلة على المقاولة وأبى الله إلّا أن يتمّ نوره على كره من المشركين ورغم المعاندين ، وحين انتهى الأمر إلى من بعدهم من أعداء الدين وفرق الملحدين اخترعوا مطاعين ليست إلّا هزءة للساخرين وضحكة للناظرين ، منها أنّ فيه كلمات غير عربيّة كالاستبرق والسجّيل والقسطاس والمقاليد فكيف يصحّ أنّه عربي مبين؟ فردّ بأنّ ذلك من توافق اللغتين أو المراد أنّه عربي النظم والتركيب أو الكلّ عربي على سبيل التغليب الخ ... انظر شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ١٨٥ ـ ١٨٦ طبعة إسلامبول. والصحيح في ضبط الكلمة : لمغدق. كما أثبتناه ـ انظر إلى الأنوار المحمدية للشيخ يوسف النبهاني ص ٢٦٧ طبعة بيروت ـ قول فرق الملحدين : إنّ في القرآن كلمات غير عربية إلى آخره ، فهو من الأباطيل وقول من لم يدرس اللغة العربية الشريفة على ضوء العلم والتحقيق ، فإنّ القرآن الحكيم عربي أنزل بلسان عربي مبين كما حقّقه بعض المعاصرين لا أنه عربيّ الأسلوب ، ومنشأ القول به عدم التحقيق في اللغات ، ولذا تخيل أنّ القسطاس والسجيل وغيرهما من العربي أسلوبا. ولم يعلم المتخيّل أنّ هذا الاستعمال إنّما هو من باب الإطلاق التوسّعي ، فما في مفردات الراغب ـ قيل : إنّ السجيل فارسي معرّب ـ قول ضعيف ، ولذا نسب إلى القيل. فإنّ السجّيل فهو من سجل وحروفه أصلية له صوت واحد يدلّ على انصباب شيء بعد امتلائه ، ومنه السجيل الدلو العظيم ـ انظر إلى كتاب الخليل (ره) ، وراجع المقاييس لابن فارس رحمهالله تعالى ـ ج ٣ ، ص ١٣٦ طبعة مصر ، وقس على ذلك سائر الكلمات ولا تغتر بقول بعض الناس : إنّها من الكلمات العجمية ، فإنّ أساسها وأصلها عربي ، ولا سعة في المقام لتوضيح المطلب وتحقيقه في كل واحد واحد من تلك الألفاظ ، وتحقيق المطلب في محلّه ، والله الموفق.
(٢) للفصاحة ـ خ : (آ).