الشريف المشتمل على العلوم النفيسة والمعاني الدقيقة ، وانضمّ إلى ذلك ظهور أمور خارقة للعوائد على يده وإخبارات عن الغيب (١) ومواظبة على مكارم الأخلاق ، بحيث لم يصدر عنه خلق ذميم قط ، وتقريرات شرعية يتمّ بها نظام النوع فلا شكّ أنّ هذه المجموعة على هذا الوجه أمر خارق للعادة لا يحصل (٢) إلّا بتأييد إلهي وتمكين ربّاني.
وأمّا الكبرى (٣) فلأنّه لو لم يكن صادقا لما جاز من الله تعالى خلق المعجز على يده مقارنا لدعواه ، والملازمة ظاهرة ، فإنّ العقل يضطرّ إلى تصديقه عند ظهور المعجز (٤) مقرونا بدعواه ، فلو كان كاذبا لكان سبحانه مصدّقا للكاذب ، لكن تصديق الكاذب مستلزم لتجهيل الخلق وإغرائهم بالقبيح وهو عليه تعالى محال كما مرّ.
لا يقال : نمنع أنّ الغرض من خلق ذلك تصديقه حتّى يلزم ما ذكرتم ، ولم لا يجوز أن يكون ابتداء عادة أو تكرار عادة متباعدة أو خلقها معجزة لنبي غيره في بعض أطراف المعمورة أو لملك أو كرامة لولي كما جوّزتم؟
سلّمنا لكن لم لا يجوز أن يكون كاذبا ، وخلقها الله على يده تشديدا للبلية ، بقوة الشبهة الموجبة للمحنة الموجبة للثواب كمتشابهات القرآن ، فإنّ الغرض من إيرادها شدّة الامتحان ، فيدعو ذلك العلماء إلى استخراج دقائقها فيضاعف ثوابهم؟
لأنّا نجيب عن الأوّل بأنّ الضرورة قاضية بأنّه لمّا خلقها على وفق دعواه كان الغرض تصديقه ودفعه مكابرة ، وينبّه (٥) على ذلك بأنّ الملك العظيم لو جلس في محفل غاصّ فقام واحد وقال : يا أيّها الناس إنّي رسول هذا الملك إليكم ثمّ قال : يا أيّها الملك إن كنت صادقا في كلامي فخالف عادتك بالنزول عن سريرك أو وضع عمامتك عن رأسك ففعل ، فإنّ الحاضرين يضطرّون إلى تصديقه من غير خطور شيء من الاحتمالات.
__________________
(١) عن الغيب ـ خ : (د) عن علم الغيب ـ خ : (آ).
(٢) تحسن ـ خ : (آ).
(٣) أعني قوله : وكلّ من كان كذلك فهو نبي ـ انظر ص ٢٨٥ من الكتاب.
(٤) المعجزة ـ خ : (آ).
(٥) ننبه ـ خ : (آ).