__________________
ـ إلى سوريا علم التوراة (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) وقد نصّ القرآن الكريم على أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يقرأ قبل القرآن كتابا ولم يكتب شيئا ، وقال سبحانه : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) العنكبوت : ٤٨.
فلو كان لما تخيّلوه واقعا لاعترضته قريش مع أنّه لم يصدر منهم في ذلك شيء أصلا وإلا لنقل ، ليت شعري من لم يقرأ لسان قومه ولم يكتب به ولم يحسن قراءة لغة أهله الذين نشأ بين أظهرهم ونصب أعينهم كيف تمكّن من قراءة التوراة بتلك الضخامة باللغة العبرية في زمن قصير وساعات قليلة وتلقّى علمها من الراهب «بحيرا» وليس هذا التخيّل الكاذب إلّا من الأفائك والتخيّلات الشيطانية الكاذبة التي ألقاها في روعهم (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ) وليس لهم على هذا الادّعاء دليل إلّا أوهامهم وأكاذيبهم الفاضحة (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) البقرة ١٠.
قال الإمام فخر الدين الرازي في كتابه معالم أصول الدين : إنّ محمدا صلىاللهعليهوآله نشأ في مكّة وتلك البلدة كانت خالية عن العلماء والأفاضل ، وكانت خالية عن الكتب العلميّة والمباحث الحقيقية ، وأنّ محمداصلىاللهعليهوآله لم يسافر إلّا مرتين في مدّة قليلة ، ثمّ إنّه لم يواظب على القراءة والاستفادة البتّة ، وانقضى من عمره أربعون سنة على هذه الصفة ، ثمّ إنّه بعد انقضاء الأربعين ظهر مثل هذا الكتاب عليه ، وذلك معجزة قاهرة ؛ لأنّ ظهور مثل هذا الكتاب على مثل ذلك الإنسان الخالي عن البحث والطلب والمطالعة والتعلّم لا يمكن إلّا بإرشاد الله تعالى ووحيه وإلهامه ، والعلم به ضروري ، وهذا هو المراد من قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) أي من مثل محمد صلىاللهعليهوآله في عدم القراءة والمطالعة وعدم الاستفادة من العلماء ، وهذا وجه قوي وبرهان قاطع انظر هامش نقد المحصّل ، ص ٩١.
وقال في كتاب الأربعين : إنّه صلىاللهعليهوآله إنّما ظهر من قبيلة ما كانوا من أهل العلم ، بل كانوا من بلدة ما كان فيها أحد من العلماء ، بل كانت الجهالة غالبة عليهم ولم يتّفق له سفر من تلك البلدة إلّا مرّتين إلى الشام ، وكانت مدّة تلك السفرة قليلة ، ولم يذهب أحد من العلماء والحكماء إلى تلك البلدة حتّى يقال : إنّهصلىاللهعليهوآله تعلّم العلم من ذلك الحكيم ، فإذا خرج من مثل هذه البلدة ومن مثل هذه القبيلة إنسان من غير أن مارس شيئا من العلوم ولا تلمّذ لأحد من العلماء البتة ، ثمّ بلغ في معرفة ذات الله وصفاته وأفعاله وأسمائه وأحكامه هذا المبلغ العظيم ، الذي عجز جميع الأزكياء من العقلاء عن القرب منه بل أقرّ الكل بأنّه لا يمكن أن يزداد في تقرير الدلائل على ما ورد في القرآن ... ولم يقدر أحد أن يقول : إنّه طالع كتابا أو تلمذ لأستاذ ـ ص ٣١١ قلت : ليت الإمام الرازي كان حيّا في عصرنا التعيس حتّى يرى أنّ جمعا ممّن لا حياء لهم من المستشرقين حصل لهم القدرة من كثرة عدم الحياء أن يقولوا ويكتبوا على خلاف ما هو من البديهيات والضروريات كما عرفت.