السابق على هذا نبذة من مباحثه ونزيد هنا ، فنقول : لو لم يكن النسخ جائزا لما كان واقعا ، لكنّه واقع فيكون جائزا ، والملازمة ظاهرة ، لاستحالة وقوع المحال ، وأمّا وقوعه فلوجوه :
الأوّل : أنّه جاء في التوراة أنّه تعالى قال لآدم وحوّاء : أحللت لكما كلّ ما دبّ على وجه الأرض وكانت له نفس حيّة ، وجاء فيها أيضا : أنّه قال لنوح عليهالسلام : خذ معك من الحيوان الحلال كذا ومن الحيوان الحرام كذا. فقد حرم على نوح بعض ما كان حلالا على آدم وحوّاء ، فإن كانت التوراة غير مغيّرة فهذا برهان ، وإن كانت مغيّرة فإلزام.
الثاني : أنّه تعالى أباح نوحا عليهالسلام تأخير الختان إلى وقت الكبر ، وحرّمه على غيره من الأنبياء ، وأباح إبراهيم عليهالسلام تأخير ختان ولده إسماعيل وحرّم على موسى ، وكذا تأخير الأنبياء عن سبعة أيام.
الثالث : أنّه أباح آدم عليهالسلام الجمع بين الأختين وحظره على موسى عليهالسلام.
لا يقال : إنّا لا نسلّم أنّ قبل موسى عليهالسلام كان شرع بل أحكام عقلية كما قلتم ؛ فإنّ الإباحة معلومة عقلا كما تقرّر في الأصول ، ورفع الحكم العقلي ليس بنسخ كما تقدّم في تعريفه.
لأنّا نقول بالمنع من ذلك إجمالا ، فقد جاء في التوراة : أنّه تعالى قال لنوح : «من سفك دم إنسان فليحكم الحاكم بسفك دمه» وهذا حكم جزئي شرعي مناقض لقولكم : لا شرع قبل موسى.
وأمّا تفصيلا فإنّ (١) الإباحة في الحكم الأوّل وإن كانت عقلية ، لكن إنّما نمنع كون رفعها نسخا (٢) إن لو لم يتعرّض له الشرع ، لكنّه تعرّض بقوله : أحللت ، وفي الوجه الثاني والثالث الإباحة ليست مطلقة بل مقيّدة بالوقت ، والتقييد غير معلوم عقلا ، فهما شرعيان لا عقليان.
__________________
(١) فلأنّ ـ خ : (آ).
(٢) نسخا ـ خ : (د) لشيء ـ خ : (آ).