احتجّوا بأنّه على تقدير تسليم النسخ لا يلزم صحّة نبوّة عيسى ومحمد عليهماالسلام ؛ لوجهين :
الأوّل : أنّ موسى عليهالسلام إمّا أن يكون قد أخبر بدوام شرعه أو لا.
والثاني : إمّا أن يخبر بانقطاعه أو لا ، والأخيران باطلان فتعيّن الأوّل.
أمّا بطلان الثاني ، وهو إخباره بانقطاع شرعه ؛ فلأنّه لو وقع لنقل ، لأنّه ممّا تشتدّ (١) الدواعي إلى نقله كما أنّ نبيّكم لو قال : شرعي منقطع أو نقل الصوم إلى غير شهر رمضان أو زاد صلاة سادسة لوجب نقل ذلك ، لكنّه لم ينقل فلم يقع.
وأمّا الثالث ؛ فلأنّ الأمر المطلق لا يفيد التكرار كما تقرّر في الأصول ، وبالاتّفاق أنّ شرع موسى عليهالسلام لم يكن كذلك.
الثاني : أنّ اليهود على كثرتهم ينقلون عن موسى عليهالسلام أنّه قال : «أنا خاتم النبيين»(٢) فلو ثبت نبوّة محمّد وعيسى عليهمالسلام لزم كذبه ، فيخرجه ذلك عن كونه نبيا ، وهو باطل اتّفاقا.
والجواب عن الأوّل : أنّا نختار الثالث لكن لا على أنّه أطلق إطلاقا ، بل قرنه بقرائن محتملة للدوام والانقطاع إلى أمد غير معيّن ، ولم يحتج إلى التصريح بتعيين ذلك الأمد للاستغناء بما يأتي من شرع عيسى عليهالسلام ؛ لأنّ ثبوت شرعه يستلزم انقطاع شرع موسى عليهالسلام ، على أنّه جاء في التوراة التنبيه على شرع عيسى ومحمّد عليهماالسلام ، كقوله : إنّ قدرة الله أقبلت من طور سينا وأشرقت من طور ساعير وأطلعت من جبل فاران ، فطور سينا لموسى وساعير لعيسى ، وجبل فاران هو جبل بمكة ؛ لأنّ فاران هو مكّة بدليل أنّه (٣) جاء في التوراة : أنّ إبراهيم أسكن ولده إسماعيل بتربة (٤) فاران.
__________________
(١) يشدّ ـ خ : (د).
(٢) الأنبياء ـ خ : (آ).
(٣) لأنّه ـ خ : (د).
(٤) بقرية ـ خ : (آ).