وهو فاسد ؛ لأنّ أهرمن إن كان قديما فهو باطل ؛ لما تقدّم من امتناع قديمين ، وإن كان
__________________
ـ الصعود وهذا من طبعه النزول؟ أرأيتم لو أنّ رجلا أخذ شرقا يمشي إليه والآخر غربا أكان يجوز أن يلتقيا ما داما سائرين على جهتهما؟ قالوا : لا. قال صلىاللهعليهوآله : فوجب أن لا يختلط النور بالظلمة لذهاب كلّ واحد منهما في غير جهة الآخر ، فكيف أحدث هذا العالم من امتزاج ما يحال أن يمتزج بل هما مدبّران جميعا مخلوقان.
وقد أشار القرآن الكريم في بعض آياته الشريفة إلى دحض شبهة المجوس وردّهم وقال سبحانه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) الأنعام ١. والله تعالى هو خالق الظلمات والنور وهما من مخلوقاته ، والذين كفروا وهم المجوس بربّهم يعدلون ، أي يجعلون بربّهم عدلا مساويا وشريكا في الخلق والعبادة ، سبحانه وتعالى عمّا يقول الظالمون علوا كبيرا وثالثا : بعد أن فرضنا محالا امتزاج النور والظلمة فهل خالق الشرور في العالم هو الله تعالى أو هما؟ فإن كان الأوّل فيعود المحذور ولا يرتفع الإشكال ، أعني صدور الشرور عن الخير المحض وهو محال. وإن كان الثاني فصدور الشرور عن الظلمة بالاستقلال والخيرات عن النور كذلك عين الشرك ، والقول بوجود الخالقين أحدهما للخير والآخر للشرّ بل قول بالتثليث ، فإنّ الله تعالى بزعمهم خلق موجودين : أحدهما مصدر الخير والآخر مصدر الشرّ ، وهما الخالقان لهما ، فهذا هو القول بالتثليث لله. وخالق الخير «يزدان» وخالق الشر «أهريمن» فأين التوحيد وعدم القول بالشريك ، فما يحاول بعض من في قلبه مرض من التعصّب القومي أن يثبت أنّ المجوس ـ أعني الزرادشتيين ـ قائلون بالتوحيد ليس له منشأ صحيح إلّا التعصّب القومي البغيض.
فلا محيص عن القول بأنّهم من أظهر أفراد المشرك. كما عبّر به بعض الفقهاء ـ راجع كتابنا فصل الخطاب وقد شرحنا فيه شبهاتهم والأجوبة التي ذكرها الحكماء الإلهيين في دحضها والجواب الاسلامي الذي يستفاد من الكتاب والسنة في دفع تلك الشبهة الشيطانية. وما ذكره في شرح حكمة الإشراق ـ : أنّ النور والظلمة رمز ، وعلى الرمز تبتني قاعدة أهل الشرق وهم حكماء الفرس القائلون بأصلين : أحدهما نور والآخر ظلمة ؛ لأنه رمز على الوجوب والإمكان ، فالنور قائم مقام الوجود الواجب والظلمة مقام الوجود الممكن ، لا أنّ المبدأ الأوّل اثنان : أحدهما نور والآخر ظلمة ؛ لأنّ هذا لا يقوله عاقل فضلا عن فضلاء فارس الخ انظر ص ١٨ طبعة طهران ـ تأويل لا يجدي في حسم مادة الإشكال ، أعني صدور الشر عن الخير المحض ؛ ولذا اعترف الشارح بعد ذلك بوضوح بطلان قول المجوس وشركهم بقوله : وهي أي وقاعدة الشرق في النور والظلمة ليست قاعدة كفرة المجوس القائلين بظاهر النور والظلمة وأنّهما مبدءان أوّلان ؛ لأنّهم مشركون لا موحّدون ، وكذا كلّ من يثبت مبدءين مؤثّرين في الخير والشرّ كالقدرية حكمهم حكمها ، وكأنّه إلى هذا المعنى أشار بقوله عليهالسلام : القدرية مجوس هذه الأمة ، انتهى. انظر ص ١٩ وقد تقدم تحقيق عن الكراجكي رحمهالله في معنى هذا الحديث ، فراجع.