والفضل بن العباس بين يديه يروّحه ، وأسامة بن زيد يحجب عنه زحمة الناس ، ونساؤه في ناحية البيت يبكين ، فلمّا سمعت عائشة قوله عليهالسلام : من شاء فليصلّ ، بعثت بلالا وقالت: مر أبا بكر فليصلّ بالناس ويؤيّده قوله عليهالسلام في تلك الحال : إنّكنّ كصويحبات يوسف ، وأنّه لمّا سمع صوت أبي بكر خرج متّكئا على علي عليهالسلام والفضل فأزاله عن المحراب وصلّى بالناس.
سلّمنا أنّه صلىاللهعليهوآله أمره بذلك ، لكنّه لمّا عقد أبو بكر التحريم خرج صلىاللهعليهوآله ، فلمّا أحسّ أبو بكر بخروجه عليهالسلام تأخّر ، وصلّى النبي صلىاللهعليهوآله بالناس قاعدا ، فلم يكن أبو بكر بمجرّد التحريم وعقده خليفة في الصلاة خصوصا وقد عزله (١).
سلّمنا أنّه صلّى الصلاة تامة لكن هذا الاستخلاف لا يقتضي الدوام ؛ إذ الفعل لا دلالة له على التكرار إن ثبتت خلافته بالفعل ، وإن ثبتت بالقول فكذلك ، كيف وقد جرت العادة بالنيابة مدة الغيبة والانعزال عند مجيء المستخلف.
سلّمنا لكن لا يقتضي ذلك خلافته بعده ، أمّا أوّلا ؛ فلقوله عليهالسلام كما رويتم : «صلّوا خلف كلّ برّ وفاجر» (٢) وأمّا ثانيا ؛ فلأنّه لو اقتضى لكان إمّا بمجرد التقديم ، وهو باطل ، وإلّا لكان كلّ من قدّمه في الصلاة إماما وهو باطل ، فإنّه قدّم جماعة عندهم وليسوا أئمّة بعده.
__________________
(١) من قوله : ـ فلم يكن ـ إلى قوله : ـ وقد عزله ـ من ـ خ : (د).
(٢) قال العلّامة محمد سعيد العرفي ـ ذلك الرجل العاقل الغيور ـ في كتابه النفيس سرّ انحلال الأمّة العربية ووهن المسلمين : «صلّوا خلف كلّ بر وفاجر حديث رواه البيهقي بطرق كلّها واهية ومنقطعة ، ولم يثبت منها سند صحيح ، ولكن ساعد على ترويجه الدولة الأموية المعلوم حالها كما قاله الشوكاني في نيل الأوطار فقد التفّ حولهم أناس لا غرض لهم إلّا الطمع النفسي أو أنّ غايتهم نشر الفساد في الأرض ، فعوّدوا المسلمين على أن لا يأنفوا من الصلاة التي هي أعظم القرب إلى الله خلف فاسق لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، ثمّ دامت مشاهدتهم لهذه الطبقة المضرّة الفاسدة حتّى عادوا لا يبالون بمخالطة الفسقة ومساعدتهم ، وأمّا معاملتهم فيرضونها بطريق الأولى ـ إلى أن قال ـ : والعجب أنّ بعض علماء الكلام دافع عن الصلاة خلف الفاجر ، وبالغ في ذلك إلى أن جعل صحّتها من المسائل الاعتقادية ، وهذه عبارة العقائد النسفية بالحرف : «ويجوز الصلاة خلف كلّ بر وفاجر» ... انظر ص ٣٩ ـ ٤٢ الطبعة الثانية دمشق.