الأوّل : العبادة ، وبه يضرب المثل حتّى أنّ زين العابدين عليهالسلام كان يصلّي كلّ يوم وليلة ألف ركعة (١) ويرمي الصحيفة شبه المتضجّر ، ويقول : أين لي بعبادة عليّ عليهالسلام ، ووضع له نطع بين الصفّين بصفّين فصلّى عليه ركعتين والسهام تخطف حوله ، وكان يوما بصفّين يرمق الشمس ليعلم الزوال فيصلّي ، فقال له ابن عباس : ليس هذا وقت الصلاة! فقال : على الصلاة نقاتلهم. وكان إذا أريد إخراج شيء من السهام (٢) من بدنه ترك حتّى يشتغل بالصلاة ، فيكون غافلا عن هذا العالم حتّى عن بدنه ، لاستغراق نفسه الشريفة في عالم الجبروت.
ومعلوم أنّه لم يحصل لأحد من الصحابة بعض هذه الخصائص ولا قريبا منها ،
__________________
(١) لعلّه كناية عن كثرة صلاته عليهالسلام.
(٢) الأولى في التعبير ما عبّر به آية الله العلّامة قدّس الله روحه في منهاج الكرامة بقوله : وكان إذا أريد إخراج شيء من الحديد من جسده عليهالسلام يترك إلى أن يدخل في الصلاة ، فيتلقّى متوجّها إلى الله تعالى غافلا عما سواه غير مدرك للآلام التي تفعل به ص ٧٤ ـ ٧٥ طبعة تبريز. وكفى في الاعتماد على هذه القضية نقل العلّامة (ره) لها كما عرفت. وقد حقّقنا هذه القضية في كتاب التحقيق في الأربعين باللغة الفارسية ، انظر ص ١٧٠ ـ ١٧٨ وقلنا : إنّه لم نجدها في مصدر وثيق يمكن الاعتماد عليه ثمّ وجدنا في كتاب منهاج الكرامة للعلّامة قدسسره ، وكفى به مصدرا ومرجعا وثيقا وتعبيره (ره) : «شيء من الحديد» أولى من التعبير بالسهم كما في عبارات جمع من المؤلّفين ، وليس ذلك إلّا مسامحة منهم في التعبير ، وما ذكره الشيخ المصنّف (ره) بقوله : «شيء من السهام» أحسن من تعبيرهم وهو يفيد بعض السهم ، وعلى أيّ حال لا يكون هذا الأمر شاهدا لما أنكره العلّامة المحدّث النوري قدسسره على الشيخ الأعظم المفيد قدسسره من قوله في كتاب الإرشاد : «ومن آيات الله تعالى الخارقة للعادة في أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه لم يعهد لأحد من مبارزة الأقران ومنازلة الأبطال ما عرف له عليهالسلام من كثرة ذلك على مرّ الزمان ، ثمّ إنّه لم يوجد في ممارسي الحروب إلّا من عرته بشرّ ونيل منه بجراح أو شين إلّا أمير المؤمنين عليهالسلام ، فإنّه لم ينله مع طول زمان حربه جراح من عدو ولا شين ، ولا وصل إليه أحد منهم بسوء حتّى كان من أمره مع ابن ملجم على اغتياله إيّاه ما كان ، وهذه اعجوبة أفرده الله بالآية فيها وخصّه بالعلم الباهر في معناها ، ودلّ بذلك على مكانه منه وتخصّصه بكرامته التي بان بفضلها من كافة الأنام» ص ١٦٣ ، طبعة تبريز ـ فإصابة شيء من الحديد بجسده الشريف يمكن أن تكون صدفة حين المشي ، خصوصا في تلك الحروب التي كان أمير المؤمنين عليهالسلام المبارز الوحيد فيها حين الصعود إلى المركب والنزول منه ، وغير ذلك من الأحوال التي كان أمير المؤمنين عليهالسلام يتجوّل فيها لا أنّه أصاب بدنه المقدّس من العدو الغاشم ، فقول الشيخ المفيد (ره) وما جاد به يراعه الشريف في غاية الجودة والقوة والمتانة ، وقد حقّقنا ذلك في كتابنا الذي أو عزنا إليه ، وهو مطبوع منتشر ، فراجع.