التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) (١) ويسقط العقاب مع القبول ؛ لقوله تعالى : (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ)(٢) واختلف في مسائل :
الأولى : أنّها هل تجب من جميع الذنوب؟ مذهب أصحابنا ذلك ؛ لدفعها الضرر اللازم بكلّ ذنب ؛ لأنّها إمّا عن فعل محرّم أو ترك واجب (٣) ، وكلاهما قبيح يجب تركه ؛ ولعموم الآية.
وقال أبو هاشم : تجب عن الكبائر لا غير ؛ لعدم حصول الضرر بالصغائر.
والجواب بالمنع من ذلك ؛ إذ غفرانها تفضّل.
الثانية : هل تصحّ من قبيح دون آخر؟ قال أبو علي : نعم وإلّا لم يصحّ الإتيان بواجب دون واجب ، واللازم باطل إجماعا.
بيان الملازمة بأنّه تجب التوبة عن القبيح لقبحه ، وفعل الواجب لوجوبه ، والاشتراك في العلّة يوجب المساواة في الحكم.
وقال ابنه : لا يصحّ ؛ (٤) إذ لو صحّ لكشف عن أنّه لم يتب عنه لقبحه ، وفرق بين الواجبات والقبائح ، فإنّه فرق بين الفعل والترك ، فإنّ من أكل الرمانة لحموضتها
__________________
(١) الشورى ٤٢ : ٢٥.
(٢) الشورى ٤٢ : ٢٥.
(٣) أمّا التوبة عن ترك المندوب وفعل المكروه فمرتبة المعصومين ، والتوبة عن الالتفات إلى غير الحقّ مرتبة السالكين ، وقول النبي صلىاللهعليهوآله : «إنّي لأستغفر الله في اليوم سبعين مرّة» من هذا المعنى ؛ لاشتغال قلبه في بعض أحوال العباد عن التوجّه شطر الحقّ ، ثمّ بعد ذلك كان يتوجّه بكلّيته إلى الحقّ سبحانه فيستغفر الله تعالى ، وكان يتوب إليه من ذلك الالتفات والاشتغال ، وذلك منه صلىاللهعليهوآله من باب غاية الكمال ، لعلوّ درجته بحيث لا يبلغ إليها أحد من الأولين والآخرين ، ولأنّه في مرتبة أعلى من مرتبة السالكين والالتفات عندهم ذنب ، ومن ذلك قيل : «حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين» فالقارئ الكريم يعرف ممّا ذكرناه إجمالا معنى ما ورد في الأدعية المأثورة عن المعصومين عليهمالسلام من كثرة الاستغفار عن الذنوب والخطايا والتوبة والإنابة الصادرة عنهم إلى الله تعالى ، ولا شكّ أنّهم في كلّ الأوصاف الكمالية مثل النبيّ صلىاللهعليهوآله إلّا النبوة ، فالتوبة والاستغفار الواردة في كلماتهم ليس معناها إلّا المعنى الذي ورد في كلمات النبي صلىاللهعليهوآله.
(٤) نقل هذا القول القاضي عبد الجبار المعتزلي عن أمير المؤمنين عليهالسلام وعن الإمام عليّ بن موسى الرضاعليهماالسلام ، انظر إلى إرشاد الطالبين ، ص ٢٠٨ طبعة بمبئي وشرح الأصول الخمسة ، ص ٧٩٧ طبعة مصر.