مجعولة بالعرض بما كسبت أيدي الناس ، فكيف يقول : إنّ هذه الثنوية لا يخلو منها دين حتّى الإسلام؟ والحقّ ـ وما في الحق مغضبة ـ أنّ في كلمات أبي الكلام هفوات كثيرة وعثرات عديدة كادّعائه أنّ المراد من «ذي القرنين» هو «كورش» ولا دليل له غير الحدسيات التي لا توجب علما ؛ فإنّها حدسيات واهية وتوهّمات فاسدة وتخيّلات كاسدة لا دليل عليها.
ومن أغلاطه نسبته إلى المسلمين أنّهم قائلون بأنّ زرادشت من الأنبياء وقال ما هذا نصه : فما زال المسلمون يرون أنّ الدين الزردشتي في أصله لم يأمر بعبادة النار بل أمر بالتوحيد ، وأنّ زردشت كذلك كان نبيّا من الأنبياء القدماء (١).
فإن كان ذكر ذلك في حقّ المجوس القدماء قبل زردشت لعلّه كان حقّا ، حيث أمرهم نبيهم بالتوحيد ولكنّهم قتلوه وأحرقوا كتابه ورفع العلم عنهم ، وأمّا زرادشت فهو الذي أسّس بيوت النار بمساعدة «گشتاسب» كما في أكثر التواريخ ، ودعا المجوس لعبادتها والتعظيم لها ، الدالّ عمله هذا على عدم كونه من الأنبياء الحقّة.
وإنّي أتعجّب من أبي الكلام كيف نسب هذا الغلط الفاحش إلى المسلمين ، وقد سمعت ما ذكره الإمام الصادق عليهالسلام فيما سبق كما في الاحتجاج للطبرسي (ره) ، ونقلنا ثمّة كلام فخر الدين الرازي في كتابه الأربعين وقال ما هذا معناه : إنّه من الكذّابين عند المسلمين. وإنّي أرى كلام أبي الكلام ـ وهو رجل سياسي ـ لا يخلو من دسيسة سياسية بإيعاز من المستعمرين للنيل إلى مقاصدهم المشئومة لا سمح الله.
واستشهاده لمرامه بشعر الفردوسي في ال «شاهنامه» المشحون بالأساطير والخرافات لا يجدي نفعا ؛ فإنّه من الشعريات وأصدق الشعر أكذبه ، وما نقله عن شيخ الإشراق في كتابه حكمة الإشراق ، وكذا عن الشارح له ، أنّهما صرّحا أنّ زرادشت كان نبيا فهو لا يسوي عندنا فلسا ؛ فإنّ النبوّة تثبت في نظر الإسلام بحصول القطع واليقين لا بالظن والتخمين وادّعاء شخص أو شخصين ، فالأنبياء الذين أسماؤهم مذكورة في
__________________
(١) شخصية ذي القرنين ، ص ٧٢.