«الشيطان» وهو يحاول إثبات أنّ الدين الزردشتي دين التوحيد ، ويزعم أنّ بتغيير العبارة يتغيّر الواقع ، تارة يقول : صرّح زردشت بأنّه ليس للشرّ إله ، بل الذي يأمر بالشرّ هو «انغرامى نيوش» أي الشيطان ، وأخرى يقول : قال زردشت بأصلين كونيين : أصل الخير وأصل الشر ، ولكنه لم يقل بإلهين متوازيين ، وثالثة يقول : ما هي حقيقة الثنوية عند زردشت؟ ليس إلّا القول بأنّه يوجد في الكون أصلين : أصل للخير وأصل للشرّ ، وأنّ الذي يجلب الشرّ هو «انغرامى نيوش» «أهريمن» وهو الشيطان في لغته (١).
وقد عرفت أنّه ليس لفظ الشيطان بمرادف للفظ «أهريمن» وقوله : «بل الذي يأمر بالشرّ» وقوله : «إنّ زردشت قال بأصلين كونيين» وكذا قوله : «وإنّ الذي يجلب الشرّ هو ...» فما معنى : إنّ الذي يجلب الشرّ هو الشيطان؟ فهل الشيطان يجلب الشرّ؟ ومن أين يجلبه ، أو يصدر الشرّ منه؟ وما معنى أنّ الذي يأمر بالشرّ هو أهريمن؟ وعلى هذا فمن هو مصدر الشرّ؟ وعلى هذه التعبيرات هل وجود الشرور في العالم مخلوق لله الواحد الذي هو الخير المحض أو مخلوق لغيره ، فإن كان الأوّل فيعود المحذور وهو صدور الشرّ عن الخير المحض ، وإن كان الثاني فهو القول بخالق للشرور غير الله تعالى ، وهذا هو الشرك الجليّ ، فأين التوحيد الذي يزعم إثباته في الدين الزردشتي؟
ومن العجب قوله ـ بعد أن زعم أنّ «أهريمن» يرادف الشيطان في المعنى ـ : وهذه الثنوية لا يخلو منها دين وإن تفاوتت درجات الأديان فيها ، فاليهودية والنصرانية والإسلام كلّ من هذه الأديان الثلاثة يقول بوجود الشيطان!!
فأنت أيّها القارئ الكريم بعد ما عرفت معنى الشيطان في الإسلام على ما بيّنه القرآن الكريم ، تعرف ما في هذا الادّعاء من البساطة وأنّه قول سطحي غير عميق ، وغفلة عن معنى الشيطان وعمله في نظر الإسلام ، وأنّه إنّما أعطاه الله تعالى التسلّط له على الإغواء ولا أثر له في خلق الشرّ أصلا ، وفي نظر الإسلام ليس في العالم موجودات منقسمة إلى الخير والشرّ ، بل كلّ الموجودات خير لا شرّ فيها ، والشرور
__________________
(١) شخصية ذي القرنين ، ص ٦٥ ـ ٦٧ ، منشورات دار البصري ، طبع مطبعة أسعد.