والشر ، بل كلّ الموجودات خير لا شرّ فيها (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) وأمّا الشيطان فليس له أن يخلق شيئا ولا نفوذ له في التكوينيات ، بل نفوذه في البشر لا غير ، وهو فيهم محدود في تفكيرهم لا في أبدانهم ، ونفوذه في تفكيرهم أيضا محدود على الوسوسة والخيال ، لا يتجاوز من ذلك بحيث إنّ التسليط عليه في إجباره على الأعمال القبيحة والأفعال السيئة ، فإنّه لا قدرة للشيطان على ذلك بل له الإغواء ، وتسلّطه عليه منحصر على الذين يؤمنون به ويتولّونه ، لا على الذين يكفرون به ، وذلك بإرادة البشر واختيارهم (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) وقد نصّ القرآن الكريم على لسان الشيطان يوم القيامة في جواب اعتراض المعترضين في إغوائه لهم ويقول : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) فالاختيار إنّما هو للإنسان في استجابته لدعوة الشيطان وعدم الاستجابة كما هو مختار في دعوته أيضا.
فلا تسلّط للشيطان في الخلق والإيجاد ، لا في أعمال العباد ولا في غيرها من أمور العالم ، لا استقلالا ولا غيره ، وإنّما أعطاه الله تعالى التسلّط على الإغواء والإضلال للبشر ؛ للحكمة والمصلحة التي اقتضاها النظام الأتمّ الأكمل ، فوجود الشيطان شرّ نسبي لا أنّه شرّ حقيقي وواقعي مطلق ، فوجوده خير في نظام الكون للحكم والمصالح (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً).
فالحاصل أنّه لا أثر للشيطان في الخلق والإيجاد في شيء من الأشياء وأمر من الأمور الواقعة في العالم ، فأين هذا من معنى «أهريمن» الذي يقول به المجوس فتفسير «أهريمن» بالشيطان من الأغلاط ، وليست في اللغة الفارسية كلمة ترادف معنى لكلمة «الشيطان».
فأنت أيّها القارئ الكريم بعد ما عرفت ما ذكرناه تعرف ما في كلمات أبي الكلام «آزاد» وزير معارف الهند في بحثه عن شخصية ذي القرنين ، المنتشر في مجلة ثقافة الهند من البساطة وعدم التحقيق ، حيث زعم ترادف لفظ «انغرامى نيوش» «أهريمن» مع لفظ