أتباع زرادشت وغيرهم ، فعليه أن يراجع كتاب أخبار أمم المجوس تأليف المستشرق «الكندر سيپل» وقد طبعه في مدينة «أوسلو» سنة ١٩٢٨ م ، وقد جمع فيه نصوصا عربية صريحة في استعمالهم لفظ المجوس في أقوام أخرى غير أتباع زرادشت ، بحيث لا يبقى فيما أشرنا إليه ريب ولا شكّ ، فراجع.
وأنت أيّها القارئ الكريم بعد ما عرفت أنّ المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب فأحرقوه ، وهم الذين كان نبيّهم دعاهم إلى التوحيد ، وكان نبيّا حقّا. وأمّا زرادشت فهو جاء بعدهم ، ودعاهم بزعمه إلى الإصلاح وأسّس بيوت النيران ، وهو ليس من الأنبياء الحقّة ، فيتّضح لك أنّ ما ذكره أبو الكلام آزاد ـ أنّ زرادشت كان على التوحيد ، وأمّا المجوس الذين كانوا من الأمم البائدة فهم كانوا على الشرك كما يظهر من خلاصة كلماته في مقالة في مجلة ثقافة الهند ـ فممّا لا وجه له وبعيد عن مرحلة التحقيق ، فإنّ الأمر على عكس ممّا ذكره كما فصلناه في كتاب فصل الخطاب.
ثمّ إنّ ما يظهر من عبارات أكثر القوم كما هو ظاهر عبارة المصنف (ره) : من ترادف لفظ «الشيطان» في اللغة العربية مع لفظ «أهريمن» في اللغة الفارسية فيه مسامحة واضحة بل غلط واضح ، فإنّه ليس للفظ «الشيطان» لفظ مرادف في الفارسية ، فإنّ لفظ «أهريمن» بمعنى خالق الشرّ ، ومصدره ليس هو معنى الشيطان في العربي ، فإنّ الشيطان ليس بخالق شيء أصلا ، بل له إغواء البشر على الشرّ والأعمال القبيحة والاعتقادات الباطلة ، وليس له عمل أزيد من إضلال البشر مع اختياره واختيارهم. قال : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فاستعمال الشيطان في عبارات أكثر المتكلّمين بمعنى «أهريمن» غير صحيح ؛ لأنّ في نظر المجوس أنّ الموجودات في العالم على قسمين : خير وشر ، والخير لازم وجوده في العالم ، والشرّ غير لازم بل وجوده نقص بزعمهم ، فهم لا يقولون بالنظام الأتمّ الأكمل في العالم مع أنّه ثابت بالأدلّة القطعية ، ويقولون : إنّ الشرور لا يمكن أن تصدر عن «آهورامزدا» بل هي مخلوقة لأهريمن ، فكثيرا من مخلوقات العالم بزعمهم مخلوقة له.
وأمّا في نظر الإسلام المقدّس فليس في العالم موجودات منقسمة إلى الخير