وهكذا انتهج المسلمون منهجا سليما عن شوب أكدار أهل الكتاب ، مدّة حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ومدّة أيام أبي بكر ، وطرفا من أيّام عمر.
ثم لمّا توسّعت رقعة الإسلام وفاضت بلاد المسلمين بكثرة الوافدين ، وفيهم الأجانب عن روح الإسلام ، ممّن لا معرفة له بأصول الشريعة ، نرى أنّ هذا السّد المنيع قد أزيل ، وجعلت أكاذيب أهل الكتاب تتسرّب بين المسلمين ، ولم تزل تتوسّع دائرتها مع توسّع البلاد.
هذا كعب الأحبار ، أتى بخزعبلاته في هذا العهد ، وأبدى عبد الله بن عمرو بن العاص بمفترياته عن زاملتيه أيضا في هذا العهد ، كما كظّ أبو هريرة بمخاريقه في هذا الدور المتأخّر عن حياة الرسول. وهكذا نرى عمر بن الخطاب قد أذن لتميم بن أوس الداري أن يقصّ قصصه قائما في المسجد النبويّ ، علانية على رءوس الأشهاد في هذا العهد (١) ، كما أصاخ بأذنيه لمخاريق كعب. يقول ابن كثير بعد ما ساق الروايات في أن الذّبيح هو إسحاق : وهذه الأقوال كلّها مأخوذة عن
__________________
(تفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ٤٦٧) و
روى أحمد بإسناده عن عبد الله بن ثابت قال : جاء عمر بن الخطاب إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ، ألا أعرضها عليك! قال : فتغيّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قال عبد الله بن ثابت : فقلت لعمر : ألا ترى ما بوجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال عمر : رضينا بالله تعالى ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم رسولا. قال : فسرى عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ، إنكم حظّي من الأمم وأنا حظّكم من النبيين.
(مسند أحمد ، ج ٤ ، ص ٢٦٥ ـ ٢٦٦)
(١) سير أعلام النبلاء ، ج ٢ ، ص ٤٤٧.