وهكذا سار على منهجه في إجازة القصّ في المساجد ، من جاء بعده من الخلفاء. وأصبح ذلك مرسوما إسلاميا فيما بعد ، كما حثّ عليه معاوية في إجازته لكعب أن يقصّ على الناس حسبما عرفت.
وبعد ، فإنّ عصر الصحابة وهي الفترة بين وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وظهور التابعين في عرصة الفتيا والتفسير كان عصر نشوء الإسرائيليّات وتسرّبها في التفسير والحديث ، فضلا عن التاريخ ، ذلك أنّ غالبيّة الشئون التاريخيّة كانت ممّا يرجع عهدها إلى تاريخ الأمم الماضية والأنبياء الماضين ، وكان المرجع الوحيد لدى العرب حينذاك لمعرفة أحوالهم وتواريخهم هي التوراة وأهل الكتاب ، فكانوا يراجعونهم ويأخذون عنهم بهذا الشأن.
قال الأستاذ الذهبي : نستطيع أن نقول : إنّ دخول الإسرائيليّات في التفسير ، أمر يرجع إلى عهد الصحابة ، وذلك نظرا لاتّفاق القرآن مع التوراة والإنجيل في ذكر بعض المسائل (١) مع فارق واحد ، هو الإيجاز في القرآن والبسط والإطناب في التوراة والإنجيل. ولقد كان الرجوع إلى أهل الكتاب ، مصدرا من مصادر التفسير عند الصحابة (٢). فكان الصحابي إذا مرّ على قصّة من قصص القرآن يجد من نفسه ميلا إلى أن يسأل عن بعض ما طواه القرآن منها ولم يتعرّض له ، فلا يجد من يجيبه على سؤاله سوى هؤلاء النفر الذين دخلوا في الإسلام ، وحملوا إلى
__________________
(١) للأستاذ عبد الوهاب النجّار في «قصص الأنبياء» محاولة في استخراج قصص القرآن من التوراة ، ومقارنة بين ما جاء في القرآن بصورة موجزة ، وجاءت في التوراة (العهد القديم) مبسطة.
(٢) لا نصادقه في هذا الرأي ، وإنما كان يراجع أهل الكتاب من قلّت بضاعته من الأصحاب.