والافتعالات ، يصحبها كثير من التهم والافتراءات ، فأتوا بالطامّات الكبرى وضلالات.
وقد عدّ الغزالي ذلك من منكرات المساجد المحرّمة والمبتدعات الباطلة ، قال : فلا يجوز حضور مجلسه ، إلّا على قصد إظهار الردّ عليه ، فإن لم يقدر فلا يجوز سماع البدعة ، قال الله تعالى لنبيه : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(١).
وقد عرفت أنّ الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام طردهم من المساجد واستثنى الحسن البصرى ، لأنه كان يتحرّى الصدق في قوله (٢).
ومن صفاقاتهم في ذلك ، ما روي أنّه صلّى أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين بمسجد الرصافة. فقام بين أيديهم قاصّ ، فقال : حدّثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، قالا : حدّثنا عبد الرزاق عن معمّر عن قتادة عن أنس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قال : لا إله إلّا الله خلق الله من كل كلمة طيرا منقاره من ذهب وريشه من مرجان ...» وأخذ في قصّة نحوا من عشرين ورقة.
فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ، ويحيى ينظر إلى أحمد ، يسأل أحدهما الآخر : هل أنت حدّثته بهذا؟! قال : والله ما سمعت بهذا إلّا هذه الساعة.
فلما انتهى الخطيب القاصّ أشار إليه يحيى ، فجاء متوهّما نوالا ، فقال له : من حدّثك بهذا؟ قال : أحمد بن حنبل ويحيى بن معين. فقال يحيى : أنا يحيى بن معين وهذا أحمد بن حنبل ، ما سمعنا بهذا قطّ في حديث رسول الله. فإن كان ولا بدّ من الكذب فعلى غيرنا. فقال القاصّ : لم أزل أسمع أن يحيى بن معين
__________________
(١) إحياء العلوم لأبي حامد الغزالي ، ج ٢ ، ص ٣٣١ ، ط ١٩٣٩. الأنعام / ٦٨.
(٢) فجر الإسلام ، ص ١٥٩ ـ ١٦٠.