ومن ثمّ ارتفع شأن القصص حتى أصبح عملا رسميا يعهد إلى رجال رسميّين يعطون عليه أجرا. وفي كتاب «القضاة» للكندي أن كثيرا من القضاة كانوا يعيّنون قصّاصا أيضا. وأوّل من قصّ بمصر سليمان بن عتر التجيبي في سنة (٣٨) ، وجمع له القضاء والقصص ، ثم عزل عن القضاء وأفرد بالقصص.
وهكذا أمر معاوية ـ في هذا الوقت ـ رجالا يقصّون في المساجد بعد صلاة الصبح وبعد المغرب ، يدعون له ولأهل ولايته كل صباح ومساء (١).
وصورة القصص : أن يجلس القاصّ في المسجد وحوله الناس ، فيذكّرهم الله ويقصّ عليهم حكايات وأحاديث وقصصا عن الأمم السالفة ، وأساطير ونحو ذلك ، ولا يتحرّون الصدق ما دام الغرض هو الترغيب والترهيب والتوجيه الخاص ، مهما كانت الوسيلة ، جريا مع قاعدة «الغاية تبرّر الواسطة».
قال اللّيث بن سعد : هما قصصان : قصص العامّة ، وقصص الخاصّة. فأمّا قصص العامّة فهو الذي يجتمع إليه النفر من الناس يعظهم ويذكّرهم. فذلك مكروه لمن فعله ولمن استمعه.
وأمّا قصص الخاصّة فهو الذي جعله معاوية ، ولّى رجلا على القصص ، فإذا سلّم من صلاة الصبح جلس وذكر الله وحمده ومجّده وصلى على النبي ، ودعا للخليفة ولأهل ولايته وحشمه وجنوده ، ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافّة (٢).
وقد نما القصص بسرعة ؛ لأنه كان يتفق وميول العامّة ، فضلا عن اتفاقها مع الاتّجاهات السياسيّة الظالمة في الأغلب. وقد أكثر القصّاص من الأكاذيب
__________________
(١) فجر الإسلام ، ص ١٦٠.
(٢) خطط المقريزى ، ج ٢ ، ص ٢٥٣ ، ط اميريّة.