العوام الميل إلى العجائب والغرائب.
يقول ابن قتيبة بشأن القصّاصين وشعوذتهم :
إنهم يميلون وجه العوام إليهم ، ويستدرّون ما عندهم بالمناكير والأكاذيب من الأحاديث. ومن شأن العوامّ القعود عند القاصّ ما كان حديثه عجيبا خارجا عن فطر العقول ، أو كان رقيقا يحزن القلوب. فإن ذكر الجنة قال : فيها الحوراء من مسك أو زعفران ، وعجيزتها ميل في ميل ، ويبوّئ الله وليّه قصرا من لؤلؤة بيضاء ، فيها سبعون ألف مقصورة ، في كل مقصورة سبعون ألف قبّة ، ولا يزال هكذا في السبعين ألفا ، لا يتحول عنها (١).
ومن هؤلاء القصّاص ، من كان يبتغي الشهرة والجاه بين الناس. ومنهم ، من كان يقصد التعيّش والارتزاق. ومنهم ، من كان سيّئ النيّة خبيث الطويّة ، يقصد الإفساد في عقائد الناس ، وربما حجب جمال القرآن وتشويه سمعة الإسلام ، بما يأتي من تفاسير باطلة وخرافات تتنافى العقول.
قال أبو شهبة : وقد حدثت بدعة القصّ في آخر عهد عمر ، وفيما بعد صارت حرفة ، ودخل فيه من لا خلاق له في العلم ، وقد ساعدهم على الاختلاق ، أنهم لم يكونوا من أهل الحديث والحفظ ، وغالب من يحضرهم جهّال. فجالوا وصالوا في هذا الميدان وأتوا بما لا يقضي منه العجب (٢).
ويظهر أنه اتخذ القصص أداة سياسيّة وراء ستار التذكير والترهيب ، يستعين بها أرباب السياسات في دعم سياساتهم وتوجيه العامّة نحوها ، كالتي نشاهدها. وقد حدثت في عهد معاوية ، وهو أوّل من أبدع مزج السياسة بالوعظ الإرشادي ،
__________________
(١) تأويل مختلف الحديث ، ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠.
(٢) الإسرائيليّات والموضوعات ، ص ٨٩ ـ ٩٠.