فدعا طالوت بني إسرائيل ، فجرّبهم ، فلم يوافقه منهم أحد ، فأوحى الله إلى نبيهم : أن في ولد «إيشا» من يقتل الله به جالوت. فدعا طالوت إيشا ، فقال : أعرض هذا على بنيك ، فأخرج له اثني عشر رجلا أمثال السواري (١) ، فجعل يعرضهم على القرن ، فلا يرى شيئا ، فقال لإيشا : هل بقي لك ولد غيرهم؟ فقال : لا ، فقال نبي هذا الزمان : يا رب إنه زعم أن لا ولد له غيرهم ، فقال الله : كذب ، فقال هذا النبي لإيشا : إن الله كذّبك!!.
فقال إيشا : صدق الله ، يا نبي الله ، إن لي ابنا صغيرا ، يقال له : داود ، استحييت أن يراه الناس لقصر قامته وحقارته ، فخلّفته في الغنم يرعاها ، وهو فى شعب كذا وكذا. وكان داود رجلا قصيرا ، مسقاما ، مصفارا ، أزرق ، أمعر (٢) ، فدعاه طالوت ، ويقال : بل خرج إليه ، فوجد الوادي قد سال بينه وبين الزريبة التي كان يريح إليها ، فوجده يحمل شاتين يجيز بهما السيل ، ولا يخوض بهما الماء ، فلما رآه قال : هذا هو لا شك فيه ، هذا يرحم البهائم ، فهو بالناس أرحم. فدعاه ، ووضع القرن على رأسه ، ففاض ـ يعني من غير أن يسيل على وجهه ـ فقال طالوت : هل لك أن تقتل جالوت ، وأزوّجك ابنتي ، وأجري خاتمك في ملكي؟ ، قال : نعم ، قال : وهل آنست من نفسك شيئا تتقوّى به على قتله؟ قال : نعم ، وذكر بعض ذلك.
فأخذ طالوت داود ، وردّه إلى عسكره. وفي الطريق مرّ داود بحجر ، فناداه يا
__________________
(١) جمع سارية ، وهي العمود ، أي أنهم كالعمد الطويلة.
(٢) أمعر : قليل الشعر ، أو نحيف الجسم ، وهذا من أكاذيب بني إسرائيل ، ورميهم الأنبياء بأبشع الصفات. فقاتلهم الله أنى يؤفكون ، وما كان لأبيه وقد أخبره داود بما ذكره أول القصة ، أن ينتقصه ، ويصفه بهذه الأوصاف.