داود احملني ، فإني حجر هارون الذي قتل بي ملك كذا ، فحمله في مخلاته ، ثم مرّ بآخر ، فناداه قائلا : إنه حجر موسى الذي قتل به ملك كذا ، فأخذه في مخلاته ، ثم مرّ بحجر ثالث ، فناداه قائلا له : احملني ، فإني حجرك الذي تقتل بي جالوت ، فوضعه في مخلاته.
فلما تصافوا للقتال ، وبرز جالوت ، وسأل المبارزة ، انتدب له داود ، فأعطاه طالوت فرسا ، ودرعا ، وسلاحا ، فلبس السلاح ، وركب الفرس ، وسار قريبا ، ثم لم يلبث أن نزع ذلك ، وقال لطالوت : إن لم ينصرني الله لم يغن عني هذا السلاح شيئا!! ، فدعني أقاتل جالوت كما أريد ، قال : فافعل ما شئت ، قال : نعم.
فأخذ داود مخلاته ، فتقلّدها ، وأخذ المقلاع ، ومضى نحو جالوت. وكان جالوت من أشد الرجال ، وأقواهم ، وكان يهزم الجيش وحده ، وكان له بيضة فيها ثلاثمائة رطل حديد (١) ، فلما نظر إلى داود ألقى الله في قلبه الرعب. وبعد مقاولة بينهما ، وتوعّد كل منهما الآخر أخرج داود حجرا من مخلاته ، ووضعه في مقلاعه ، وقال : باسم إله إبراهيم ، ثم أخرج الآخر وقال : باسم إله إسحاق ، ووضعه في مقلاعه ، ثم أخرج الثالث وقال : باسم إله يعقوب ، ووضعه في مقلاعه ؛ فصارت كلها حجرا واحدا ودوّر داود المقلاع ، ورمى به ، فسخر له الله الريح ، حتى أصاب الحجر أنف البيضة ، فخلص إلى دماغه ، وخرج من قفاه ، وقتل من ورائه ثلاثين رجلا ، وهزم الله تعالى الجيش ، وخرّ جالوت قتيلا. فأخذه
__________________
(١) البيضة : ما يلبسه المحارب على رأسه ، وهذا من أكاذيبهم ، وتخريفاتهم ، ولا أدري ولا أي عاقل يدري كيف يمكن لجالوت أن يحارب ، وعلى رأسه هذا القدر من الحديد؟. أي نحو مائة وخمسين كيلوجراما من الحديد ، ولعل الرطل في زمانهم كان أثقل من رطلنا اليوم ، فيكون حمل على رأسه ما يزيد على ثلاثة قناطير من الحديد. ومما ذكروه في وصفه أن ظله كان ميلا ، وهذا ولا شك خرافة.