كان التفسير في اجتيازه تلك المراحل وتطوّره مع سير الزمان ، قد وجدت له ألوان وظهرت أشكال ، أشرنا إليها. غير أنّ هذه الأشكال والألوان لم تزل مستمرة ، ودام وجودها في كل عصر من الأعصار. ومن ثمّ فإنّ المفسرين لم يزالوا يتنوّعون في التفسير ، وتظهر على أيديهم أنواع من التفسير ، حسب مختلف براعاتهم في الفنون والعلوم ، وتخصّصاتهم في أنحاء المعارف والثقافات ؛ وبذلك نستطيع أن ننوّع التفسير منذ عهد تدوينه فإلى الآن ، إلى أنواع مختلفة :
ولقد كان التفسير في بدء نشوئه متقطّعا ومترتّبا حسب ترتيب السور والآيات. كان المفسّر يراجع شيخه في مواضع من القرآن ، كان قد أشكل عليه فهمه ، فيسأله عنه ويسجّله في دفتره ، مبتدئا من أوّل القرآن إلى آخره. هذا هو نمط التفسير المأثور عن السلف ، المحفوظ بعضه إلى اليوم ، كتفسير مجاهد وغيره.
فأوّل نوع من التفسير الذي جاء إلى الوجود هو «التفسير بالمأثور» ومتقطعا ، ولكن مرتّبا حسب ترتيب السور والآيات. ثم بعده أخذ في تشكّل أكثر وانسجام أبلغ ، مضافا إليه بعض التوسّع والتنوّع ، كما عرفت.
ولكن ظهر إلى جنب هذا النوع من التفسير الترتيب ، نوع آخر تعرض للجوانب الفقهيّة أو اللغويّة فقط ، تاركا جوانبه الأخر ، وهذا نوع من «التفسير الموضوعي» الذي ظهر إلى عالم الوجود ، من أوّل يومه ولا يزال.
فهذه كتب آيات الأحكام ، وكتب غريب القرآن ، هي تفاسير موضوعيّة ، مقتصرة على جانب فهم الأحكام ، واستنباط فروع المسائل من القرآن ، وهكذا تفسير ما ورد في القرآن من غريب الألفاظ.
وهكذا تنوّع التفسير من أوّل يومه إلى تفسير رتيب وتفسير موضوعي ، غير أنّ التفسير الرّتيب كان مقتصرا في الأكثر على المأثور من الأقوال والآثار ،