اللهم إلّا إذا كان عوج أطول من جبال الأرض!!
فمن تلك الروايات الباطلة المخترعة ما رواه ابن جرير بسنده عن أسباط ، عن السدّي ، في قصّة ذكرها من أمر موسى وبني إسرائيل ، وبعث موسى النقباء الاثني عشر ، وفيها : فلقيهم رجل من الجبّارين يقال له : عوج ، فأخذ الاثني عشر ، فجعلهم في حجزته (١) ، وعلى رأسه حملة حطب ، وانطلق بهم إلى امرأته ، فقال : انظرى إلى هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يريدون أن يقاتلونا ، فطرحهم بين يديها ، فقال : ألا أطحنهم برجلي؟ ، فقالت امرأته : بل خلّ عنهم ، حتى يخبروا قومهم بما رأوا ، ففعل ذلك. وكذلك ذكر مثل هذا وأشنع منه غير ابن جرير والسيوطي بعض المفسّرين والقصّيصين ، وهي كما قال ابن قتيبة : أحاديث خرافة ، كانت مشهورة في الجاهلية ، ألصقت بالحديث بقصد الإفساد (٢).
وإليك ما ذكره الإمام الحافظ الناقد ابن كثير في تفسيره ، قال : وقد ذكر كثير من المفسرين هاهنا أخبارا من وضع بني إسرائيل ، في عظمة خلق هؤلاء الجبارين ، وأن منهم عوج بن عنق بنت آدم عليهالسلام ، وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون ذراعا ، وثلث ذراع ، تحرير الحساب ، وهذا شيء يستحى من ذكره ، ثم هو مخالف لما ثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إن الله خلق آدم ، وطوله ستون ذراعا ، ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن» ، ثم ذكروا : أن هذا الرجل كان كافرا ، وأنه كان ولد زنية ، وأنه امتنع من ركوب سفينة نوح ، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبتيه. وهذا كذب وافتراء ، فإن الله تعالى ذكر : أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين ، فقال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى
__________________
(١) الحجزة : موضع التكة من السروال.
(٢) تأويل مختلف الحديث ، ص ٢٨٤ وروح المعانى ، ج ٦ ، ص ٩٥.