جوفها شوك ، يسيل السمن (١) منها ، قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكرّاث ، وعند رأسها خل ، وعند ذنبها ملح ، وحول البقول خمسة أرغفة على واحد منها زيتون ، وعلى الآخر تمرات ، وعلى الآخر خمس رمانات ، وفي رواية : على واحد منها زيتون ، وعلى الثاني عسل ، وعلى الثالث سمن ، وعلى الرابع جبن ، وعلى الخامس قديد (٢). فقال شمعون ـ رأس الحواريين ـ لعيسى : يا روح الله وكلمته ، أمن طعام الدنيا هذا ، أم من طعام الجنة؟ ، فقال عيسى : أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات ، وتنتهوا عن تنقير المسائل؟! ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب نزول هذه الآية ، فقال له شمعون : لا وإله إسرائيل ما أردت بهذا سؤالا (٣) يا ابن الصدّيقة ، فقال عيسى عليهالسلام : ليس شيء مما ترون من طعام الدنيا ، ولا من طعام الجنّة ، إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة الغالبة القاهرة.
فقالوا : يا روح الله وكلمته ، إنا نحبّ أن يرينا الله آية في هذه الآية ، فقال عليهالسلام : سبحان الله تعالى أما اكتفيتم؟! ثم قال : يا سمكة عودي بإذن الله تعالى حيّة كما كنت ، فأحياها الله ، وعادت حيّة طريّة. يا سمكة عودي بإذن الله تعالى كما كنت مشويّة ، فعادت ، ثم دعاهم إلى الأكل فامتنعوا ، حتى يكون هو البادئ ، فأبى ، ثم دعا لها الفقراء والزّمنى ، وقال : كلوا من رزق ربكم ، ودعوة نبيكم ، واحمدوا الله تعالى الذي أنزلها لكم ؛ فيكون مهنؤها لكم ، وعقوبتها على غيركم ، وافتتحوا أكلكم : باسم الله تعالى ، واختتموه : بحمد الله. ففعلوا ، فأكل منها ألف وثلاثمائة
__________________
(١) أي الدهن لسمنها.
(٢) قديد : أي لحم مجفّف.
(٣) لعل مراده سؤال تعنت ؛ وأنهم لا يريدون بالسؤال أن يطعمهم الله من رزقه وخيره.