إنسان : بين رجل وامرأة ، يصدرون عنها كل واحد منها شبعان يتجشأ. ونظر عيسى والحواريون ، فإذا ما عليها كهيئته إذ نزلت من السماء ، لم ينقص منها شيء ، ثم إنها رفعت إلى السماء وهم ينظرون ، فاستغنى كل فقير أكل منها ، وبرئ كل من أكل منها ، وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبوا أن يأكلوا منها ندامة سالت منها أشفارهم ، وبقيت حسرتها في قلوبهم ، إلى يوم الممات (١).
وكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبل إليها بنو إسرائيل يسعون من كل مكان ، يزاحم بعضهم بعضا. فلما رأى ذلك ، جعلها نوبا تنزل يوما ولا تنزل يوما ، ومكثوا على ذلك أربعين يوما ، تنزل عليهم غبّا ، عند ارتفاع النّهار ، فلا تزال موضوعة يؤكل منها ، حتى إذا قالوا (٢) ارتفعت عنهم إلى جو السماء ، وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض ، حتى تتوارى عنهم (٣).
فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليهالسلام : أن اجعل رزقي لليتامى ، والمساكين ، والزّمنى دون الأغنياء من الناس. فلما فعل ذلك ارتاب بها الأغنياء ، وغمصوا ذلك ، حتى شكوا فيها في أنفسهم ، وشككوا فيها الناس ، وأذاعوا في أمرها القبيح ، والمنكر ، وأدرك الشيطان منهم حاجته ، وقذف وساوسه في قلوب المرتابين. فلما علم عيسى ذلك منهم قال : هلكتم وإله المسيح ، سألتم نبيكم أن يطلب المائدة لكم إلى ربكم ، فلما فعل ، وأنزلها عليكم رحمة ورزقا ، وأراكم فيها الآيات والعبر ، كذبتم بها ، وشككتم فيها ؛ فأبشروا بالعذاب ، فإنه نازل بكم إلّا
__________________
(١) هذا مما يضعف القصة ويدل على الاختلاق ، وإلّا فكيف يطلبونها ، ثم يمتنعون عن الأكل ؛ لأن عيسى لم يبدأ به؟
(٢) من القيلولة : الراحة وسط النهار.
(٣) القرآن الكريم يدل دلالة واضحة على أن المائدة لم تنزل إلّا مرة واحدة ، وهذا يدل على تكرر نزولها ، وهذا أيضا يدل على اختلاق تفاصيل القصة ، وأنها من تزيّدات بني إسرائيل.