تفسيرا صحيحا ، كما هو منهجنا في كل ما عرضنا له ، فأقول وبالله التوفيق :
قال الله تعالى : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ)(١) إذ : ظرف لما مضى من الزمان ، وهو مفعول لفعل محذوف ، والتقدير : اذكر يا محمد ما حدث في هذا الزمن البعيد ليكون دليلا على صدق نبوتك ، فما كنت معهم ، ولا صاحبت أهل الكتاب ، ولم تكن قارئا ، ولا كاتبا.
الحواريّون : جمع حواريّ ، وهم المخلصون الأصفياء من أتباع عيسى عليهالسلام ويطلق أيضا على الأصحاب المخلصين من أتباع الأنبياء.
المائدة : الخوان : الذي عليه الطعام ، فإن لم يكن عليها طعام فهو خوان. السماء : إما المعروفة أو المراد بها جهة العلوّ ، فإنّها قد تطلق ويراد بها كل ما علا.
وليس المراد بالاستفهام هو أصل الاستطاعة ، وأنهم ما كانوا يعلمون هذا ؛ لأن السائلين كانوا مؤمنين ، عارفين ، عالمين بالله وصفاته ، بل في أعلى درجات هذه الصفات. وإنما المراد بالسؤال : الإنزال بالفعل ، من قبيل إطلاق السبب وإرادة المسبب ، والمعنى : هل يجيبنا ربك ـ يا نبينا عيسى ـ إلى ذلك أم لا؟
وقال بعض العلماء : ليس ذلك بشك في الاستطاعة ، وإنما هو تلطّف في السؤال ، وأدب مع الله تعالى بهذه الصيغة المهذّبة ، كقول الرجل لآخر : هل تستطيع أن تعتبني على كذا ، وهو يعلم أنه يستطيع.
وأما قول من قال : إنه من قول من كان مع الحواريين ، فبعيد لخروجه عن ظاهر الآية ، ولا سيما أن تفسير الآية مستقيم غاية الاستقامة ، على ما ذكرنا.
وهذا السؤال إما لفقرهم وحاجتهم ، وإما لتعرف فضل نبيهم عيسى ،
__________________
(١) المائدة / ١١٢.