وفضلهم وكرامتهم عند ربهم.
وأما ما روي : أن عيسى أمرهم بصيام ثلاثين يوما ، ثم ليسألوا ربهم ما يشاءون ، فصاموا وسألوا ، فلست منه على ثلج (قالَ : اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
ليس هذا شكا في إيمانهم ، وإنما هو أسلوب معهود ، حملا على التقوى ، كما قال تعالى في حق المؤمنين الصادقين ، من هذه الأمة المحمدية : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١) ، والمعنى : اتقوا الله ولا تسألوه ، فعسى أن يكون فتنة لكم ، وتوكّلوا على الله في طلب الرزق ، أو اتقوا الله ، ودعوا كثرة السؤال ، فإنكم لا تدرون ما يحلّ بكم عند اقتراح الآيات ؛ لأن الله سبحانه إنما يفعل الأصلح لعباده ، (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) من أهل الإيمان بالله ، ورسله ، ولا سيما أنه سبحانه آتاكم من الآيات ما فيه غنية عن غيره (قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها) بدءوا بالغذاء المادّي ، ثم ثنوا بالغذاء الروحي ، فقالوا : (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) ، وهو مثل قول الخليل إبراهيم عليهالسلام : (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(٢).
(وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) أي نزداد علما ، ويقينا بصدقك ، وحقيقة رسالتك (وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي المقرّبين المعترفين لله بالوحدانية ، ولك بالنبوة والرسالة ، أو من الشاهدين عليها لمن لم يرها ويعاينها.
(قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا)(٣).
العيد : يوم الفرح والسرور ، (لِأَوَّلِنا) : لأول أمتنا (وَآخِرِنا) : لآخر أمتنا ،
__________________
(١) الأنفال / ١.
(٢) البقرة / ٢٦٠.
(٣) المائدة / ١١٤.