لا شكّ أنّ آثار الوضع والاختلاق بادية عليه ، والسند مطعون فيه ، وهي أمور مأخوذة من القرآن ، والأحاديث ، ثم صيغت هذه الصياغة المريبة ، وجعلت على لسان موسى عليهالسلام والظاهر المتعين أن إلقاء سيدنا موسى بالألواح إنما كان غضبا وحميّة لدين الله ، وغيرة لانتهاك حرمة توحيد الله تبارك وتعالى.
وإليك ما قاله ابن كثير في تفسيره (١) ، قال : ثم ظاهر السياق أنه ـ أي سيدنا موسى ـ ألقى الألواح غضبا على قومه ، وهذا قول جمهور العلماء سلفا وخلفا. وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبا ، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة. وقد ردّه ابن عطية ، وغير واحد من العلماء ، وهو جدير بالردّ ، وكأنه تلقّاه الناقل عن بعض أهل الكتاب ، وفيهم كذّابون ، ووضّاعون ، وأفّاكون ، وزنادقة.
وصدق ابن كثير فيما قال ، ويرجّح أن يكون من وضع زنادقتهم كي يظهروا الأنبياء بمظهر المتحاسدين ، لا بمظهر الإخوان المتحابّين.
وقال الإمام القرطبي عند تفسير قوله تعالى : (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) أي مما اعتراه من الغضب والأسف ، حين أشرف على قومه ، وهم عاكفون على عبادة العجل ، وعلى أخيه في إهمال أمرهم ، قاله سعيد بن جبير ؛ ولذا قيل : «ليس الخبر كالمعاينة» ، ولا التفات لما روي عن قتادة إن صح ، ولا يصح ، أن إلقاءه الألواح إنما كان لما رأى فيها من فضيلة أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يكن ذلك لأمته ، وهذا قول رديء لا ينبغي أن يضاف إلى موسى عليهالسلام (٢).
ومما يؤيد أنه من وضع بعض الإسرائيليّين الدهاة : أن نحوا من هذا المروي عن قتادة قد رواه الثعلبي وتلميذه البغوي عن كعب الأحبار ، ولا خلاف إلّا في
__________________
(١) تفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ٢٤٨ وتفسير البغوى ، ج ٢ ، ص ٢٠٢.
(٢) تفسير القرطبي ، ج ٧ ، ص ٢٨٨.