دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)(١) ما هذه الحيلولة وكيف هي ، وهو تهديد لاذع بأولئك الزائفين المتمرّدين عن الشريعة والدين.
وهذا الإبهام يرتفع عند مراجعة قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ. أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٢). فعرفنا أنها نسيان الذات ، فالذي يجعل من شريعة الله وراء ظهره ، إنما حرم نفسه ونسي حظّه ، فقد تاه في غياهب ضلالة الجهل والعمى.
وهكذا قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها. وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ. وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(٣) ما هو المقصود من «الأرض» هنا في هذه الآية ، وكيف يقع نقصانها؟
أمّا الأرض فالمقصود منها هو العمران منها ، وليس المراد هي الكرة الأرضيّة. ويشهد لذلك قوله تعالى بشأن المحاربين المفسدين في الأرض : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا. أَوْ يُصَلَّبُوا. أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ. أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٤). فإنّ النفي من الأرض ، يراد به الإبعاد عن العمران ليظل حيرانا بين البراري والقفار.
أما كيف يقع النقصان؟ فقد فسّره الإمام أبو جعفر محمّد بن علي الباقر عليهالسلام وكذا ولده الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام بفقد العلماء ، وأن عمارة الأرض
__________________
(١) الأنفال / ٢٤.
(٢) الحشر / ١٩.
(٣) الرعد / ٤١.
(٤) المائدة / ٣٣.