وإنما الذي يتّصل ببحثنا بيان ما روي من الإسرائيليات في هاتين المرتين ، واسم من سلط عليهم ، وصفته وكيف كان ، وإلى مصار أمره ، وقد كانت معظم الروايات في بيان العباد ذوى البأس الشديد الذين سلطوا عليهم ، تدور حول «بختنصر» البابلي. وقد أحاطوه بهالة من العجائب والغرائب ، والمبالغات التي لا تصدق. وقد أخرج هذه الروايات ابن جرير في تفسيره ـ وأكثر منها جدا (١) ـ وابن أبي حاتم والبغوي (٢) ، وغيرهم ، عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وعن سعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، وعن السدّي ، وعن وهب بن منبّه ، وابن إسحاق ، وغيرهم. وخرّجها من غير ذكر أسانيدها ، مع عزوها إلى مخرجيها السيوطي في «الدر المنثور» (٣).
وفيها ـ ولا شك ـ الكثير من أكاذيب بني إسرائيل التي اختلقها أسلافهم ، وتنوقلت عليهم ، ورواه أخلافهم من مسلمة أهل الكتاب الذين أسلموا ، وأخذها عنهم بعض الصحابة والتابعين تحسينا للظن بهم ، ورواها من غير تنبيه إلى ما فيها.
وفي هذه الأخبار الإسرائيلية ما يحتمل الصدق والكذب ، ولكن الأولى عدم الاشتغال به ، وأن لا نفسر القرآن به ، وأن نقف عند ما قصّه الله علينا ، من غير أن نفسد جمال القرآن وجلاله ، بمثل هذه الإسرائيليات.
__________________
بختنصر وجنوده ، وأن الآخرين الذين أساءوا وجوههم ، ودخلوا المسجد الأقصى هم «طيطوس» الروماني وجيوشه ، فقد أساموهم سوء العذاب ، وتأمل في قوله : «وإن عدتم عدنا» فإنه يدل على أنهم سيعودون ثم يفسدون ، فيرسل الله لهم من يسومهم العذاب ألوانا.
(١) تفسير الطبري ، ج ١٥ ، ص ١٦ ـ ٣٤.
(٢) تفسير البغوي ، ج ٥ ، ص ١٤٤ ـ ١٥٤.
(٣) ج ٤ ، ص ١٦٣ ـ ١٦٦.