وقد أكثر ابن جرير هنا من النقل عن ابن إسحاق ، وفي بعضها روى عن ابن إسحاق عمن لا يتّهم ، عن وهب بن منبّه (١) ، وفي بعضها بسنده عن وهب بن منبّه في ذكر ابن إسحاق ، وبذلك وقفنا على من كان المصدر الحقيقي لهذه المرويات ، وأنه وهب ، وأمثاله ، من مسلمة أهل الكتاب.
وقد سوّد ابن جرير بضع صفحات من كتابه في النقل عن ابن إسحاق وعن وهب ، ولا أحب أن أنقل هذا بنصه ، فإنّ في ذلك تسويدا للصفحات ، ولكني سأذكر البعض ؛ ليكون القارئ لهذا التفسير على حذر من مثل ذلك.
قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثني ابن إسحاق قال : «كان مما أنزل الله على موسى (٢) في خبره عن بني إسرائيل ، وفي أحداثهم ، ما هم فاعلون بعده ، فقال : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً)(٣) إلى قوله : (وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً).
فكانت بنو إسرائيل وفيهم الأحداث والذنوب ، وكان الله في ذلك متجاوزا عنهم متعطفا عليهم ، محسنا إليهم ، فكان مما أنزل بهم في ذنوبهم ما كان قدم إليهم في الخبر على لسان موسى ، مما أنزل بهم في ذنوبهم ، فكان أول ما أنزل بهم من تلك الوقائع : أن ملكا منهم كان يدعى صديقة ، وكان الله إذا ملك الملك عليهم بعث نبيا يسدّده ، ويرشده ، ويكون فيما بينه وبين الله ، ويحدّث إليه في أمرهم لا ينزل عليهم الكتب ، إنما يؤمرون باتباع التوراة ، والأحكام التي فيها ، وينهونهم
__________________
(١) تفسير الطبري ، ج ١٥ ، ص ٢٩.
(٢) المراد أنزل معناه لا لفظه ، فالتوراة لم تكن بالعربية ، ولا كان لسان موسى عليهالسلام عربيا.
(٣) الإسراء / ٤.