فاستباح بيضتهم ، وسلك خلال بيوتهم ، وأذلّهم ، وقهرهم جزاء وفاقا ، وما ربّك بظلّام للعبيد ، فإنّهم كانوا قد تمرّدوا وقتلوا خلقا كثيرا من الأنبياء والعلماء (١).
قال أبو شهبة : وهذا هو الحق الذي ينبغي أن يصار إليه في الآية ، والقصص القرآني لا يعني بذكر الأشخاص ، ولا الأماكن ؛ لأن الغرض منه العبرة ، والتذكير ، والتعليم والتأويل. والذي دلّت عليه الآية أنهم أفسدوا مرتين في الزمن الأوّل ، وظلموا وبغوا ، فسلّط الله عليهم في الأولى من أذلهم وسباهم ، ولا يعنينا أن يكون هذا (سنجاريب) أو (بختنصر) وجيشه ؛ إذ لا يترتّب على العلم به فائدة تذكر ، وسلّط الله عليهم في الثانية من أذلهم ، وساء وجوههم ، ودخل المسجد الأقصى ، فأفسد فيه ، ودمّر ، ولا يعنينا أن يكون هذا الذي نكل بهم هو (طيطوس) الروماني أو غيره ؛ لأن المراد من سياق قصته : ما قضاه الله على بني إسرائيل أنهم أهل فساد ، وبطر ، وظلم ، وبغي ، وأنهم لما أفسدوا وطغوا ، وتجبّروا سلّط الله عليهم من عباده من نكل بهم ، وأذلّهم ، وسباهم ، وشرّدهم ، ثم إن الآيات دلّت أيضا على أن بني إسرائيل لا يقف طغيانهم ، وبغيهم ، وإفسادهم عند المرتين الأوليين ، بل الآية توحي بأن ذلك مستمر إلى ما شاء الله ، وأن الله سيسلط عليهم من يسومهم العذاب ، ويبطش بهم ، ويرد ظلمهم وعدوانهم ، قال عز شأنه : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا)(٢) ، أليس في قوله هذا إنذار ووعيد لهم إلى يوم القيامة؟! بلى.
وما يؤكد هذا الإنذار والوعيد قوله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ
__________________
(١) تفسير ابن كثير ، ج ٣ ، ص ٢٥. وتفسير البغوي ، ج ٣ ، ص ٩٧ ـ ١٠٥.
(٢) الإسراء / ٨.