سماه الله ذا النون (١).
وكل هذا من أخبار بني إسرائيل وتزيّداتهم ، واختلاقاتهم ، وما روي منها عن بعض الصحابة والتابعين ، فمرجعه إلى مسلمة أهل الكتاب ككعب ، ووهب وغيرهما ، وقد رأيت كيف تضارب وتناقض كعب ووهب ، فكعب يقول : لم يصعد به إلى السماء ، ويزعم أنه ذو النون ، ووهب يقول : إنه رفعه إلى السماء ، وصار في عداد الملائكة عليهمالسلام وأن بعض الروايات تقول : إنه الخضر ، والبعض الآخر يقول : إنه غير الخضر ، إلى غير ذلك من الاضطرابات والأباطيل ، كزعم مختلق الروايات الأولى : «أن الله أوحى إلى إلياس إني قد جعلت أرزاقهم بيدك». بينما في بعض الروايات الأخرى : أن الله أبى عليه ذلك مرّتين ، وأجابه في الثالثة ، وهكذا الباطل يكون مضطربا لجلجا ، وأما الحق فهو ثابت أبلج.
ولم يقف الأمر عند نقل هذه الإسرائيليات عمن ذكرنا ، بل بلغ الافتراء ببعض الزنادقة والكذابين إلى نسبة ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كي يؤيد به أكاذيب بني إسرائيل وخرافاتهم ، وكي يعود ذلك بالطعن على صاحب الرسالة العامة الخالدة صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال السيوطي في «الدر» : وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الخضر هو إلياس».
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في «الدلائل» وضعفه عن أنس رضى الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في سفر ، فنزلنا منزلا ، فإذا رجل في الوادي يقول : اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة ، المغفورة ، المثاب لها ، فأشرفت على الوادي ، فإذا رجل طوله ثلاثمائة ذراع وأكثر ، فقال : من أنت؟ قلت : أنس ، خادم
__________________
(١) الدر المنثور ، ج ٥ ، ص ٢٨٠ و ٢٨١.