الناس وعامتهم ، لاعتبر هذا أمرا مستهجنا مستقبحا ، فكيف يصدر من رسول جاء لهداية الناس ، زكت نفسه ، وطهرت سريرته ، وعصمه الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وهو الأسوة الحسنة لمن أرسل إليهم؟!!
ولو أن القصة كانت صحيحة لذهبت بعصمة داود ، ولنفرت منه الناس ، ولكان لهم العذر في عدم الإيمان به ، فلا يحصل المقصد الذي من أجله أرسل الرسل ، وكيف يكون على هذه الحال من قال الله تعالى في شأنه : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ)؟ قال ابن كثير في تفسيرها : «وإن له يوم القيامة لقربة يقربه الله عزوجل بها وحسن مرجع ، وهو الدرجات العالية في الجنة لنبوّته وعدله التام في ملكه ، كما جاء في الصحيح : «المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، الذين يقسطون في أهليهم ، وما ولوا» ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إن أحب الناس إليّ يوم القيامة وأقربهم مني مجلسا إمام عادل ، وإن أبغض الناس إليّ يوم القيامة ، وأشدهم عذابا إمام جائر» رواه أحمد ، والترمذي (١).
ولكي يستقيم هذا الباطل قالوا : إن المراد بالنعجة هي المرأة ، وأن القصة خرجت مخرج الرمز والإشارة ، ورووا : أن الملكين لما سمعا حكم داود ، وقضاءه بظلم صاحب التسع والتسعين نعجة لصاحب النعجة ، قالا له : وما جزاء من فعل ذلك؟ قال : يقطع هذا ، وأشار إلى عنقه. وفي رواية : «يضرب من هاهنا ، وهاهنا ، وهاهنا» وأشار إلى جبهته ، وأنفه ، وما تحته ، فضحكا ، وقالا ، «أنت أحق بذلك منه ، ثم صعدا».
وذكر البغوي في تفسيره وغيره ، عن وهب بن منبه : أن داود لما تاب الله عليه بكى على خطيئته ثلاثين سنة ، لا يرقأ دمعه ليلا ولا نهارا ، وكان أصاب
__________________
(١) تفسير ابن كثير ، ص ٣٢.