لكنها محاولة فاشلة ، وفي نفس الوقت فاضحة ، إذ كيف يخفى على ذي لبّ أنّ مثل هكذا مواجهة مما يمتنع مع قوم ناكرين ومستهزئين بموقف النبي الكريم ، إنهم رفضوا دعوته ولجّوا في معاندته ، وحاولوا بكل جهدهم في تقويض دعائم الدّعوة والكسر من شوكتها. ثم جاء يطالبهم الأجر عليها ، أو يرغّبهم في نصرته عليها. إن هذا إلّا احتمال موهون ، وإزراء بمقامه صلىاللهعليهوآلهوسلم المنيع.
إنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يمدّ يد الوداد إلى أعداء الله ، حتى ولو كانوا ذوي قرابته ، فكيف يطالبهم الموادة في قرباه! إذ لا قرابة مع الشرك ، ولا رحم مع رفض التوحيد. قال تعالى : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)(١).
وأما الذي ذكره دليلا على اختياره ، فليته لم يذكره ؛ إذ يتنافى ذلك تنافيا كليا مع ما لمسناه في الرجل من براعة في الأدب. هذا الإمام جار الله الزمخشري يصرّح بنقيض اختيار الطبري ويسلك مسلكا نزيها مشرّفا ، وتبعه على ذلك عامة أهل النظر والاختيار في التفسير.
قال : ما معنى قوله : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟ فأجاب بقوله :
قلت : جعلوا مكانا للمودّة ومقرّا لها ، كقولك : لي في آل فلان مودّة ، ولي فيهم هوى وحبّ شديد ، تريد : أحبّهم وهم مكان حبّي ومحلّه.
قال : وليست «في» بصلة ـ أي متعلقة ـ للمودّة ، كاللّام إذا قلت : إلّا المودّة للقربى ، إنما هي متعلقة بمحذوف تعلق الظرف به في قولك : المال في الكيس ، وتقديره : إلّا المودّة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها. والقربى : مصدر كالزلفى والبشرى ، بمعنى : قرابة. والمراد : أهل القربى.
قال : روي أنها لما نزلت قيل : يا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قرابتك ، هؤلاء الذين
__________________
(١) الممتحنة / ١.