كابن جرير الطبري.
وتفسيره هذا من أشهر ما دوّن في التفسير المأثور ، بل من أجوده ؛ حيث اعتنى فيه مؤلفه بالرواية عن مفسري السلف ، ففسّر كلام الله تعالى بالأحاديث والآثار مسندة إلى أصحابها ، مع الكلام عما يحتاج إليه جرحا وتعديلا ، ونقدا وتحليلا ، وقدم له بمقدمة طويلة ، تعرّض فيها لكثير من الأمور التي لها تعلّق واتّصال بالقرآن وتفسيره. ولكن أغلب هذه المقدمة مأخوذ بنصّه من كلام شيخه ابن تيمية الذي ذكره في مقدمته ، في أصول التفسير.
ويمتاز في طريقته في التفسير بأن يذكر الآية ، ثم يفسّرها بعبارة سهلة جزلة ، وإن أمكن توضيح الآية بآية أو آيات أخرى ذكرها ، وقارن بينهما حتى يتبيّن المعنى ويظهر المراد ، وهو شديد العناية وكثير الإحاطة بهذا الجانب من تفسير القرآن بالقرآن ، ولعل هذا الكتاب من أكثر ما عرف من كتب التفسير سردا للآيات المتناسبة ، ومقارنة بعضها مع البعض ، لكشف المعنى المراد.
وبعد ذلك يشرع في سرد الأحاديث المرفوعة التي لها تعلّق بالآية ، ويبين ما يحتجّ به وما لا يحتجّ به منها ، ثم يردفها بأقوال الصحابة والتابعين ، ومن يليهم من علماء السلف.
ونجده أحيانا يرجّح بعض الأقوال على بعض ، ويضعّف بعض الروايات ، ويصحّح بعضا آخر منها ، ويعدل بعض الرواة ، ويجرح بعضا آخر ، وهذا يرجع إلى ما كان عليه من المعرفة بأصول نقد الحديث ، ومعرفة أحوال الرجال.
ومما يمتاز به أنّه ينبّه بين حين وآخر إلى ما في التفسير المأثور من منكرات الإسرائيليات والموضوعات ، ويحذّر منها على وجه الإجمال تارة ، وعلى وجه التعيين والبيان لبعض منكراتها تارة أخرى.
مثلا ، هو في قصة هاروت وماروت ، يراها متصادمة مع ما ورد من الدلائل